في إحدى نقاط التفتيش العسكرية على الطريق المؤدي إلى القاعدة البحرية الأميركية الموجودة هنا، وهي واحدة من 3 قواعد موجودة على طول الطريق، وقف 4 جنود يرتدون الزي الرسمي للجيش الكوبي بلونه الأخضر الفاتح دون سلاح، يؤدون الخدمة يوم الأحد وهم يضحكون على نكتة تحت ظل شجرة لوز، بجانب حوض من الزهور المزروعة بعناية. وكان هناك لافتة تشير إلى الموقع مكتوب عليها «أول خندق معاد للإمبريالية». وقاموا بإيقاف عدد قليل من السيارات التي اقتربت من الحاجز، وطلبوا الاطلاع على التصاريح الخاصة المطلوبة لدخول بلدة كايمانيرا، وهي البلدة التي كانت في الماضي بوابة دخول القاعدة العسكرية الأميركية الموجودة عبر خليج غوانتانامو. وقال أحد الجنود، وهو برتبة ملازم أول، يدعى غامبوا، بينما يدفع مراسل صحيفة «نيويورك تايمز» نحو الوراء: «نظرا لأن هذه منطقة دفاع حساسة للغاية، ينبغي على كل شخص أن يكون لديه تصريح». وذكر أن الموافقة على التصاريح تستغرق عادة 72 ساعة، وأنه من المستحيل الحصول على تصريح يوم الأحد. ورغم التحسن المفاجئ الذي شهدته العلاقات بين الولايات المتحدة وكوبا، لا تزال القاعدة الموجودة هنا تمثل غصة في حلق الكوبيين، وحالة من الغبن العميق، ظل الأخوان كاسترو، في البداية فيدل والآن شقيقه راؤول، يشيران إليها باعتبارها أحد رموز الإمبريالية الأميركية المؤلمة. وذكر مسؤول رفيع المستوى بوزارة الخارجية في واشنطن، أن «المفاوضين الكوبيين طرحوا طلب حكومتهم المتكرر الخاص بإعادة القاعدة خلال المحادثات السرية التي توجت بالإعلان المفاجئ لاستئناف الدولتين للعلاقات الدبلوماسية بشكل كامل بينهما الشهر الماضي». قال المسؤول: «من المنطقي أن يثير الكوبيون هذه المسألة»، مضيفا: «مع ذلك، إنها لم تكن محور المحادثات». وأوضح قائلا: «كانت هذه المحادثات أكثر إجهادا من أي مرحلة خلال فترة طويلة من الزمن، ولكن كذلك كانت مسألة غوانتانامو حاضرة طوال الوقت، حتى خلال محادثاتنا بشأن الهجرة، باعتبارها قضية رئيسية بالنسبة للكوبيين». هنا في مدينة غوانتانامو، التي يبلغ تعداد سكانها نحو 216 ألف نسمة، حيث وسط المدينة يبدو مزدهرا، بينما شوارعها الخلفية متداعية ومتهالكة، يتم تذكير الأهالي مرارا وتكرارا على مدى سنوات بأنهم يواجهون العدو مباشرا. من جانبه، قال جيني جاروساي، البالغ من العمر 25 سنة، وهو طالب فنون رسم عدة لوحات موضوعها العلاقات التي تتوتر أحيانا بين القاعدة ومدينة غوانتانامو، حيث نشأ وترعرع: «إنها مسألة حساسة إلى حد ما، فالتعايش معها يشبه استضافتك لشخص لا تحبه في منزلك لمدة 50 عاما، لقد اعتدنا على الأوضاع الجيدة والسيئة». ويمكن القول إن قاعدة غوانتانامو هي الثمرة الأخيرة لخطيئة أميركا الأصلية في كوبا، التي تمثلت في غزوها لها عام 1898 في خضم الحرب التي كانت الجزيرة تخوضها من أجل الاستقلال عن إسبانيا. أسفرت معاهدة السلام، التي أنهت الحرب الإسبانية - الأميركية في عام 1898، عن وضع الولايات المتحدة مشرفا على شؤون الجزيرة، واستمر حتى عام 1902، عندما منحت واشنطن لكوبا الحق في أن تحكم نفسها بنفسها. ولكن كان الثمن تعديل بلات البغيض، وهو مجموعة من الشروط المكتوبة في الدستور الكوبي تمنح الولايات المتحدة حق التحكم في الشؤون الكوبية والحق في إنشاء قواعد بحرية هناك. وفي عام 1903، تم توقيع عقد إيجار مفتوح للقاعدة الموجودة في غوانتانامو. ظلت مدينة غوانتانامو، والبلدات المجاورة لها مثل كايمانيرا، لسنوات كثيرة، مرتبطة بشكل وثيق بالقاعدة. وكان كثير من الأهالي يعملون فيها وكان الجنود الأميركيون يترددون على بيوت الدعارة والحانات المحلية. لكن، بعد وصول فيدل كاسترو إلى سدة الحكم في عام 1959، أصبحت القاعدة رمزا للهيمنة الأميركية ونقطة احتكاك. وترفض كوبا صرف الشيكات التي ترسلها الولايات المتحدة لدفع الإيجار السنوي البالغ قدره 4.085 دولار. واحتجت كوبا بشدة، عندما قامت إدارة جورج بوش الابن ببناء سجن في القاعدة لإيواء المتهمين بالإرهاب الذين اعتقلوا بعد أحداث 11 سبتمبر (أيلول). وتسببت التقارير التي صدرت لاحقا بشأن المعاملة الوحشية التي يتعرض لها السجناء في زيادة حنق كوبا. بعد أن تولى الرئيس باراك أوباما مهام منصبه في عام 2009، أمر بإغلاق السجن، لكنه لم يتمكن من الوفاء بتعهده، فظل السجن رمزا مريرا لحالة الإحباط وعدم الوفاء بالوعود، وكذلك وصمة عار على جبين أميركا كما يطلق عليه كثير من المنتقدين، وتم نقل 28 معتقلا من السجن إلى دول أخرى خلال العام الماضي، ولكن ما زال يوجد فيه 127 سجينا، وحتى بعد إغلاق السجن في النهاية، يرى محللون أنه من غير المحتمل أن تتم إعادة القاعدة إلى كوبا عما قريب. من جانبها، قالت جانا ليبمان، وهي أستاذ مشارك للتاريخ بجامعة تولين، ولها كتابات عن هذه القاعدة: «هذا وقت مثالي لطرح هذه المسألة والتفكير فيما تعنيه بالنسبة للولايات المتحدة وكوبا»، ولكنها أوضحت أن المخاطر السياسية التي تنطوي على إعادتها كبيرة، مشيرة إلى تجربة الرئيس جيمي كارتر عندما تفاوض على تسليم قناة بنما خلال سبعينات القرن المنصرم. وقالت ليبمان: «لم يحظ ذلك القرار بشعبية بالنسبة للرأي العام. وكان هناك كثير من التوابع السياسية التي اضطر الرئيس للتعامل معها». وهناك شبه إجماع بين كل الأشخاص الذين جرى إجراء مقابلات معهم هنا، سواء كانوا يؤيدون أو يعارضون الحكومة الكوبية، على ضرورة إعادة القاعدة إلى كوبا. قالت إيليانا كوتيلا، وهي تعمل ممرضة: «إنها أراض كوبية. وهي لا تخص الولايات المتحدة». وإلى جانب راتبها الحكومي، تبيع إيليانا القهوة والوجبات الخفيفة أمام منزلها، وهو عمل تم السماح به أخيرا بموجب النظام الاشتراكي في كوبا، من أجل زيادة دخلها. وأضافت: «حدوث ذلك على أراضينا وارتكاب انتهاكات وتعذيب لأشخاص أمر غير محترم». باستثناء حالات التوتر التي تحدث بين الحين والآخر، لا يوجد بوجه عام أي تواصل يومي بين الكوبيين والقاعدة، التي تبعد عدة أميال عن مدينة غوانتانامو وبعيدة عن أنظار أهلها. وتقاعد آخر شخصين من السكان المحليين الذين كانوا يعملون في القاعدة في عام 2012. قال أحد أهالي بلدة كايمانيرا، وهو يعيش داخل المنطقة المحظورة التي تحتاج إلى تصريح لدخولها، إن «الأمر يشبه الحياة على حدود واقعة بين دولتين معاديتين لبعضهما البعض»، واصفا الوضع بأنه مجتمع محاط ببوابات عسكرية. وأشار الرجل، الذي طلب عدم نشر اسمه خوفا من بطش السلطات، إلى أنه «لا توجد أي مزايا في وجود قاعدة عسكرية في الحي». وأضاف قائلا: «إنه حي هادئ جدا، وعليه سيطرة محكمة، ولا تقع فيه جرائم، ولا توجد به مخدرات». وأشار إلى أن «الأهالي يحصلون على مكافأة نقدية للعيش هناك». وعلى أحد التلال التي تمتلئ بالأشجار على أطراف مدينة غوانتانامو، في منطقة سياحية تم إنشاؤها أخيرا بها منصة ارتفاعها 10 أقدام للإطلال على المنطقة ومطعم، كان نيفير بيريز، الذي يبلغ 48 سنة، وزوجته ليسيت بالومينو التي يبلغ عمرها 45 سنة، يحدقان عبر خليج غوانتانامو باتجاه القاعدة التي تظهر من بعيد. وقال بيريز الذي ينتمي إلى مدينة غوانتانامو ولكنه يقيم في أورلاندو بفلوريدا، لأنه مقيم في الولايات المتحدة منذ 14 عاما حتى الآن، إنه يأمل في أن تؤدي الانفراجة الجديدة مع الولايات المتحدة إلى عودة القاعدة. وقال، وهو يرتدي قميصا بألوان العلم الأميركي الأحمر والأبيض والأزرق: «إذا أصبحت العلاقات جيدة، أعتقد أنهم سيعيدونها».