لا أذكر عنوان الفيلم، لكنني أذكر أن السيدة نجلاء فتحي كانت بطلته، وكانت تؤدي فيه دور امرأة من مواهبها عزف الكمان. شخصيا، لا أعرف كيفية عزف أي شيء لكن هذا لم يمنع، حين شاهدت ذلك الفيلم في الثمانينات، من ملاحظة أن بديهيات الإمساك بالكمان باليد اليسرى وبما يُسمى بالقوس (بدأ قوسًا فيما مضى عند العرب لكنه بات أداة موسيقية مستقيمة فيما بعد) باليد اليمنى غائبة. أصابع الممثلة الموهوبة عادة على قمّة الأوتار لا تتحرّك. الموسيقى المنجزة ليست نتيجة العزف بل نتيجة مهندس الصوت والمكساج لاحقًا. كل ما كان تحتاجه الممثلة هو دخول المعهد لشهر واحد، أو الطلب من أستاذ موسيقي بإعطائها دروس خاصة عادة ما تكون على حساب شركة الإنتاج. لكن يبدو أن صانعي الفيلم أقنعوها أن الجمهور لا يفرّق بين من يعلم ومن لا يعلم العزف، وأن كل ما ستقوم به سيكون صحيحًا حين النظر إليه. لم يكن! أتذكر ذلك وأنا أشاهد «فوكسكاتشر» حيث الممثلين ينغمسون في الشخصية وبكل ما تتطلبه من قواعد. لا أحد يترك قدمه في الأمان ويدخل الدور بنصفه أو بـ3 أرباعه. كل شيء يتغيّر: الشكل، والمشي، والنطق، والحقل الذي يمارسه الممثل في ذلك الفيلم، بما أنه فيلم عن المصارعة، فإن بطليه شانينغ تاتوم، ومارك روفالو عليهما أن يصبحا مصارعين، لا مجال لتمثيل المصارعة، كما مثّلت نجلاء فتحي العزف، بل الوجهة الوحيدة هي المصارعة ذاتها. عليك أن تصبح لكي تقنع المشاهد ولكي ينسجم أداؤك مع الشخصية التي تدعي أنك هي. ترى هل من ممثل عربي يستطيع تمثيل الدور الذي لعبه ببراعة دستين هوفمن في «رجل المطر»؟ (حاول أحدهم تمثيل دور المتأتئ كحال هوفمن في فيلم عنوانه «ديك البرابر» لكنه أخفق) أو تمثيل دور الأعمى كما لعبه آل باتشينو في «عطر امرأة»؟ هذان الدوران تسلية إذا ما قورنا بدور دانيال داي لويس في «قدمي اليسرى» وإيدي ريدمان في «نظرية كل شيء» إذ لعبا دوري معاقين (لشخصيّتين حقيقيّتين لا تزالان في عالمنا إلى اليوم).. فهل هناك؟ ليس لأن المواهب مندثرة، لكن ما هو مندثر الإيمان بالجدوى والطموح العالي. لا جوائز مستقلة ومهمّة للممثل وللمخرج ولبقية عناصر الفيلم على غرار الأوسكار، ولا منافسة تجارية في عموم العواصم العربية للأفلام المنتجة عندنا، ولا من يصر على أن الفيلم ليس مجرد مجموعة من المشاهد يتم لصقها ببعض وإطلاقها والمهم هو كم سيحصد من جيوب المشاهدين. الفيلم إتقان فني في كل شؤونه، لأن ذلك تذكرة بقائه وبقاء من فيه من عناصر أمام الكاميرا وخلفها. من سيحاسب سوى بعض النقاد؟ في حين نجد الممثل في الغرب، إذا ما واتته المناسبة لدور صعب، يقبل على الدور بكل ما لديه من إيمان وقناعة، نجد مثيله العربي يأخذ المظهر وينصاع للتنفيذ المستعجل والسهل لكي يتم تعليب الفيلم وقبض أتعابه.. هات غيره! مرّة أخرى، ليس لأننا من دون مواهب، لكننا من دون طموح وبلا إصرار وفقراء للمعرفة.