يزداد الأنس إذا رُزِقَ الإنسان جيراناً كالأهل، حباً وقرباً وحفظاً ومساعدة. ورد لي هذا الخاطر لمّا كنتُ مع أخي راجعين من السفر، فكان يحكي عن بعض جيرانه، وأثر الجار العاقل المؤمن الإيجابي. يقول: لمّا أردت أن أبني بيتي، احتجت لمساعدة في الماء والكهرباء، فطلبتها على استحياء من جاري الملاصق، فرحب وفرح وأوصل لنا الكهرباء، ومد لنا الماء لمدة تقرب من العام، وكلف ذلك مبلغاً ليس قليلاً ورفض أخذ المقابل، ولما انتهيت من بناء البيت وسكنت أتى جاري من الجهة الأخرى ليبني، وأتاني لأجل الجدار الذي بيني وبينه، وبحكم سبقي في البناء ألح بإعطائي نصف المبلغ لأتقاسم معه الجدار! يقول: قارن هذه المواقف المشرقة بجار لي في استراحة، رفض أن ابني رصيفا يحمي جدار استراحتي ليحميها من الأمطار نظراً لنزول مستوى الأرض، ولا يلحقه ضرر، وبسبب عدة مضايقات منه بعت الاستراحة! يلومونني أن بعتُ بالرخص منزلي ولم يعرفوا جاراً هناك ينغــصُ فقلت لهم كفوا الملام فإنمــا بجيرانها تغلوا الديار وترخصُ كم هو محزن أن ينتهك الجار حق جاره، أو يخوفه أو ينتهك حرمته، فذلك خيانة للجار، وعصيان لله، وإضعاف لقوة الأمن الأسري والاجتماعي، قال -صلى الله عليه وسلم-: «لا يؤمن من لا يأمن جاره بوائقه». نعم قد يخطئ الجار أو ينسى، فجميل أن يكون التعامل بعدل وإحسان، وتحمل وعفو، ويكون مبدأ التغاضي حاضراً والعطاء مستمراً، حتى مع غير المسلم يحفظ حق الجار، ويقدم له البر والإحسان؛ لما مرض جار النبي -صلى الله عليه وسلم- اليهودي زاره النبي وقاسمه الشعور ودعا للابن المريض، وكان ذلك سببا لإسلامه. كم هم أنواع الجيران؟ وكم مستوى آثارهم الإيجابية والسلبية؟! بعض الجيران من عائلة ووالدين وأولاد، تختلط معهم ويكونون للإنسان كالأسرة، وبعضهم يكونون نقصاً وهماً وحزناً على جيرانهم، وفرق بين من يساعد جاره ويحفظه ويتفقده، متفاهماً متعاطفاً، متحملاً الجفاء شاكراً للإحسان، فذلكم يضيف للإنسان أنساً، وللبيت سكناً، وللمتجاورين الراحة والقوة. لذلك أكد الإسلام على حق الجار، بل كاد يجعله وراثاً، وفي الحديث: «أتاني جبريل فأوصاني بالجار حتى ظننت أنه سيورثه»، ولذا فإنّ الجار الطيب القريب المعاون ساتر العورات لا يقدر بثمن! لقد باع أبو جهم العدويّ داره بمئة ألف درهم ثم قال للمشترى: بكم تشترون جوار سعيد بن العاص؟ -وكان رجلاً كريماً شهماً عاقلاً جواداً من عظماء الرجال- قالوا: وهل يشترى جوار قط؟ قال: إذاً ردوا عليّ داري وخذوا مالكم! فإني والله لا أدع جوار رجل إن قعدت سأل عني، وإن رآني رحب بي، وإن غبت حفظني، وإن شهدت قربني، وإن سألته قضى حاجتي، وإن لم أسأل بدأني، وإن نابتني حاجة فرج عني! فبلغ ذلك سعيداً فبعث إليه بمائة ألف درهم! اطلب لنفسك جيرانا تجاورهم * * لا تصلح الدار حتى يصلح الجارُ وأذكر جاراً لنا كبيراً في السن واسمه حمد العويد -رحمه الله- من أهالي بريدة، لما توفي والدي -رحمه الله- كنت فتى يافعاً، وكان يمرّ علينا سائلاً ومطمئناً، بل كان يضرب علينا الباب لصلاة الفجر، صور جميلة من الجيران، تعوّض الإنسان أحياناً فقد الوالدين والأقارب، حتى إذا فارقتهم تشوقت لهم وإذا حضرت معهم لم تملهم، أولئك، أغلى من الدار، ولا يقدرون بثمن! أستاذ التوجيه والإرشاد النفسي- بجامعة القصيم