على ما يبدو أنه لم يوجد لكلمة «كلام جرائد» في قاموس الإعلام العربي لو لم تكن تلك الأكواخ الخشبية المتسعة المترامية على قوارع أرصفة حمراء بيروت، التي دأب على استجلابها الباعة من المطابع ذات الأحبار الصفراء لتسويق الأخبار المزيفة والمفبركة وفق أهواء من يطلقها ليعلكها المارة في أفواههم الممجوجة، وأن أكثر من ينال النصيب الأكبر من «المجّ» من تلك «المحابر» هي دول الخليج لا سيما المملكة العربية السعودية واسم بندر بن سلطان الاسم المرعب بالنسبة لهم. ومن المميزات التي تؤديها تلك الأكشاك أن كل كشك يخضع لسلطة مخابراتية ما. وبحكم قوة النفوذ السوري وأذرعته الأخطبوطية في بيروت فهي تستحوذ حصة الأسد على تلك الأكشاك بامتداد رجالاتها المُخترقة بشكل نافذ ومهيمن على «صالات تحرير» الصحف اللبنانية، ورغم هذه الاختراقات المتغلغلة والمتحكمة، فإنها كعادتها دائما ما تفلح في اختيار شخصيات تعوّل على تغلغلهم لتمرير معلومة ما من خلالهم «صحفيين، إعلاميين وأبواق مشروخة» كمن هم على شاكلة «الكليب سامي» والمعروف الذي ولد من الرحم الإخوانية وتربى بمفرخة أعشاشها وانقلابه الموازي على وجهه الآخر الممانعي وموالاته القوية لعتبات الغرف المغلقة في دمشق من خلال الدور الذي تؤديه زوجته المستشارة الإعلامية للرئيس بشار الذي حسبما يزعم بمقالة كتبها زورا في «الأخبار اللبنانية» المقربة من حزب الله، إن رئيس الاستخبارات السعودي السابق بندر بن سلطان قال لنائب وزير الخارجية الروسي ميخائيل بوغدانوف «نريد تدمير النظام العلوي في سوريا حتى لو جرى تدمير سوريا». أولا: من المعيب أن يذكر مثل ذلك الافتراء لأنه يفتقر إلى المصداقية ويزيف الحقائق التي نفاها السفير الروسي في لبنان «ألكساندر زاسبيكين» وما يخالف المنطق في مقال «الكليب» أن الأمير بندر إذا أراد أن يفعل شيئا ما -يفترض أن تحيطه السرية والكتمان لا أن يصرّح به لبوغداندوف الحليف الأقوى للأسد. ثانيا: عُرفت «السعودية» عبر تاريخها أنها تبني وتساعد وتساند، والتاريخ يشهد بذلك، من يتذكر محادثات الملك فيصل رحمه الله مع هنري كيسنجر في تلك الجلسة الشهيرة حينما قال له «لا يمكن استثناء سوريا من عملية السلام والانسحاب من هضبة الجولان»، وحينما كانت الجولان ترزح تحت الاحتلال الإسرائيلي في حرب أكتوبر 73 كان الجيش السعودي يقاتل بشراسة جنبا إلى جنب مع الجيش السوري. وحينما كانت العلاقات السورية البريطانية يشوبها الخلاف الشديد والفتور الحاد لم تبق السعودية مكتوفة اليدين بل مدت يدها للنظام السوري وساهمت في إعادة العلاقات الديبلوماسية وردم الهوة والخلاف السياسي بينهما. كثير من المواقف التي نسفها الابن بشار مع سوريا في أزماتها عبر التاريخ مع دول العالم ولكن ذلك في عرف الابن العاق ليس له مكانة فهو لا يعرف قراءة التاريخ أو حنكة العمل السياسي.