للأسرة في نظام الحكم مكانة خاصة؛ لا نجدها في عدد من أنظمة الحكم الأخرى في العالم، فقد نص النظام على أن الأسرة هي نواة المجتمع السعودي، ويُربَّى أفرادُها على أساس العقيدة الإسلامية، وما تقتضيه من الولاء والطاعة لله ولرسوله ولأولي الأمر، كما نص على أن الدولة تحرص على توثيق أواصر الأسرة والحفاظ على قيمها العربية والإسلامية، ورعاية جميع أفرادها وتوفير الظروف المناسبة لتنمية ملكاتهم وقدراتهم. ولذلك احتلت الأسرة مساحة كبيرة في خطة التنمية العاشرة التي صدرت حديثا، والتي بدأت متسقة مع هدفها الأول: المحافظة على القيم والتعاليم الإسلامية، وتعزيز الوحدة الوطنية، وترسيخ هوية المملكة العربية والإسلامية، وذلك من خلال المحافظة على القيم والتعاليم الإسلامية، وترسيخ هوية المملكة، إذ القيم لا يمكن ترسيخها إلا في محضنها الأول وهو (الأسرة)، إذ تحظى السنوات الخمس الأولى من عمر الإنسان بالحجم الأكبر من التأسيس التثقيفي للإنسان، الذي يتداخل مع نسيجه النفسي والبنائي، ويبرمج توجهاته وتفضيلاته المستقبلية. وقد جاء في استثمار المعرفة، استثمار البحوث العلمية في معالجة القضايا الاقتصادية والاجتماعية، وهي لفتة عظيمة، يمكن أن تستثمر استثمارا عاليا؛ بتحريك الأرفف الساكنة في مكتبات الجامعات، التي تحتضن الأبحاث الكثيرة التي أقيمت على المجتمع السعودي، لتتحول المعرفة إلى ثروة، كما نصت الخطة نفسها. علما بأن هذه الأبحاث كلفت الدولة مبالغ ضخمة، وكان جديرا بالمؤسسات الكبرى أن تستنطقها لتكوين قاعدة علمية رصينة؛ للنهضة الوطنية الشاملة. إن أية برامج تقام دون أن تكون وليدة بحوث ودراسات تحدد جدواها وآلياتها، سيكون فيها هدر كبير في الجهد والمال والوقت. كما أن هجران الأبحاث الجامعية سواء في مرحلتي الماجستير والدكتوراه أو ما يتبعها من أبحاث علمية موثقة، سيؤدي إلى تناسيها، والإنفاق مجددا على أبحاث جديدة، بنفقات جديدة، والبحث العلمي مكلف جدا. كما ركزت الخطة العاشرة على دعم برامج الأمان الاجتماعي وأنشطته، وتطوير أنظمتها، وهو ما يقوم به برنامج الأمان الأسري الوطني حاليا، ودعم برامج مراكز التنمية الاجتماعية ونشاطاتها، وتطويرها، وهو ما تنهض به وكالة التنمية الاجتماعية في وزارة التنمية الاجتماعية؛ حيث أحيت دور تلك المراكز، وجعلتها أكثر فاعلية وقربا من احتياجات الناس. كما تطرقت الخطة إلى ظاهرة العنف الأسري التي أصبح بعض أعراضها غير مصنف في دوائر العنف لدى كثير من الناس؛ لكثرة وقوعه، وتطبع المجتمع به. كما أن الخطة أكدت دعم الدولة للأعمال التطوعية والخيرية، وتجويد أدائها؛ لزيادة إسهامها في التنمية الاجتماعية، ولهذا أصداؤه الرائعة في ردهات المؤسسات غير الربحية، والقطاع الثالث، حيث بدأ مسيرة الجودة، ووضع الخطط الإستراتيجية، والهيكلة التنظيمية، في أطر لم تكن معروفة في أروقته قبل بضع سنين، والمتوقع أن تكون تلك ثقافة سائدة في كل المؤسسات الخيرية بإذن الله، بعد أن تشهد نجاح الرواد في تطبيق نظم الجودة. ولتحقيق الاهتمام المباشر بالأسرة، جاء الحث على تطوير خدمات الإرشاد الأسري، وتوسيع نطاق تغطيتها، ووضع برامج لمعالجة قضايا العنوسة، والطلاق، والعناية بالأرامل والمطلقات، وتعزيز قيم الانتماء للأسرة وتقوية رابطتها، وتشجيع قيام الجمعيات الأهلية لتطوير برامج التوعية، والوقاية من العنف الأسري، والعمل على توفير أماكن الإيواء للحالات المتضررة، وتنسجم أيضا مع توجهات وسياسات وزارة الشؤون الاجتماعية، وأبرزها: تعزيز التنمية الاجتماعية المستدامة، وتنظيم وتطوير أعمال مراكز التنمية والإرشاد الأسري، ودعم المؤسسات والمراكز لتحقيق الميزة التنافسية بينها. ومن المهم جدا أن تواكب مؤسسات المجتمع المدني مؤسسات الدولة وخطتها، وأن ترفد مؤسسات القطاع الخاص هذه النهضة العملاقة؛ ليسير الجميع في فلك واحد، ويحققوا هدفا واحدا، بإذن الله وعونه.