×
محافظة المنطقة الشرقية

مسلحو القبائل اليمنية يحتجزون عشرات الجنود بمأرب

صورة الخبر

في جامعة البحرين كان زميلي عبدالهادي سالم الذي يدرس في السنة النهائية في كلية القانون، طالبا شغوفا بإجراء البحوث الصغيرة عن أي ظاهرة ملفتة للانتباه، وحينما سألته عن السبب قال لي: بأن الأمر لا يعدو عن كونه إدراكا لثقافة مجتمعه، وفهما ووعيا لما يفكر به الآخرون. لم يكن عبدالهادي متعصبا لطائفة أو مذهب أو "متعنصر" لمجتمع على آخر، ولكن كانت هناك ثمة أهداف يحاول أن يصل إليها، لذا فلم نكن نتذمر من مشاركته في بعض بحوثه التي قام بها، وقد كنت في حقيقة الأمر مبهورة بذكاء زميلي، بينما كان البعض يتهامس ضحكا وسخرية مما يقوم به، حتى إنهم كانوا يعنونون عمله بأنه ناتج عن "فراغة" أو "فضاوة"، وذات يوم طلبت من عبدالهادي أن يعيرني واحدا من أهم بحوثه، ولم يكن يتجاوز ما يكتبه في البحث الواحد عشرين صفحة، وحالما انتهيت من قراءة بحثه، شعرت بالانبهار من طريقة كتابته ووعيه الكبير، وأنه يعرف تماما ماذا يقوم به وماذا يفعل، وكيفية الوصول إلى لب الفكرة. عبدالهادي ذو الثلاثة والعشرين عاما بدا للجميع دون استثناء، شابا مدركا لحجم ثقل أفكار ما تجلو به رؤوس من حوله، لهذا فنهمه للمعرفة لم يكن له حد أو أفق واحد. وبعد استغراقي الكبير في الدخول إلى عوالم "تويتر"، وجدت نفسي أفكر طويلا بعبدالهادي وبحوثه، وتساءلت هل يمكنني أن أكون مثله؟ أن أصبح قديسة لأفكاره تجاه ما يحدث في وطنه أم لا؟ وقد تجرأت وقمت بعمل بحث قصير عن بعض المغردين والمغردات في "تويتر"، واخترت شريحة معينة وهي التي تضع بجانب مُعرّفها اسم الفتاة "لجين الهذول"، التي اتخذت قرارا حازما من جهتها، بأن تقوم "عنوة" بالدخول إلى أراضي وطنها بسيارتها، رغم علمها أن القانون السعودي لا يسمح بذلك، وأنا هنا لا أتكلم عما قامت به الفتاة الشابة، ولكني قمت بإجراء بحث قصير عما يربط هؤلاء المغردين بعضهم ببعض، فوجدت أن هناك ثمة قواسم مشتركة، لخصتها كالتالي: أن العينة التي تضع اسم الفتاة "لجين"، تتراوح أعمارهم سواء أكانوا ذكورا أو إناثا بين عمر الرابعة عشر وحتى السادسة والعشرين على أقرب تقدير، لديهم عقد مختلفة يتم تضخيمها من قبلهم، بأنهم على سبيل المثال مضطهدون بشكل شخصي، تشعر تماما بأنهم يرزحون تحت ضغط ديني كبير، وهم ضعفاء أمام هذا الضغط ولا يستطيعون الخلاص منه، قراراتهم في الحياة غير واضحة، مبهمة بشكل بين، كما أنهم يفتقدون إلى تقدير ذواتهم، وبينهم وبين هيئة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر شبه "عداوة" غير منتهية، لذا فإن أي خبر يتعلق بالهيئة يتم تجريمه والسخرية منه. الاهتمام من الطرفين بشؤون المرأة خارج نطاق الوطن، رفض للحجاب والرغبة في التخلص منه، الانتقاص الدائم من الوطن وما يحدث به من أخطاء، ومقارنة أي خطأ بإنجاز أي دولة عربية كانت أو أجنبية، حتى إن هناك بعض المغردين لا يذكر اسم وطنه، بل ينتهج أسلوبا ساخرا بتسمية وطنه. تنمر واحتدام صارخ في التعليق على من يخالفهم في الرأي، عدم كتابة أسمائهم مع اللقب والاكتفاء بالاسم الأول فقط، يتم اختيار ريتويت للتغريدات الدينية إذا ما كانت تتناسب مع مبتغاهم وهواهم، معظم التغريدات تتحدث عن المعاناة وسوء الحال، اعتبار الإعلام الوطني غير منصف ولا يلبي طلباتهم، شعور المغردات بالظلم الواقع عليهن من الرجل، ومعظمهن لديهن فريق رياضي يتعصبن لهُ، كما يتضح أيضا أنهم غير ملمين بأي نوع من الثقافة، غير الثقافة التي تميل إلى العنف في الكتابة والردود، ومحاولة إظهار أفكارهم بطريقة تميل أحيانا إلى أن تكون "فجة" وقاسية، اعتماد الكثيرين على تسمية بعض رجال الدين بـ"تجار الدين"، وهو ما يتضح سابقا أنهم واقعون تحت ضغوط دينية، في ذات الوقت هم غير مدركين تماما لما يتحدثون أو ما يدافعون عنه. في النهاية هؤلاء يحتاجون في حياتهم إلى وجود مثل أعلى، قدوة تتناسب مع سقف طموحاتهم غير المعروفة، سواء أكان هذا القدوة فنانا أو ناشطا أو شخصية عامة، وهم يدورون على الدوام حول حلقة مفرغة، وهي البحث عن بطل يتكلم بطريقة مختلفة عما هم يعيشونه، أو مما يفرض عليهم من قبل مجتمعهم الخاص. هؤلاء الشباب يستحقون منا دراسة أكثر عمقا وشمولية، والبحث عن حل لتقريبهم إلى فهم العقيدة بطريقة منصفة، وإدارة حوار ونقاش ذي سقف عال، وبالتأكيد هم يحتاجون لعلاج نفسي حتى وإن رفضوا الفكرة، لكن هذه هي الحقيقة فطريقة تعبيرهم بهذا الاستفزاز تدل على أنهم مفقودون من المجتمع. وإذا كانت هذه الفئة تحتاج إلى عناية خاصة من قبل الأسرة والمدرسة أو الجامعة، فالذين يخالفونهم في الرأي لا يقلون سوءا عنهم.