اهتمت وسائل الإعلام المختلفة في الآونة الأخيرة بموضوع المخدرات الرقمية Drugs Digital، أو المؤثرات الرقمية Digital effects، حيث تم طرح العديد من التساؤلات حول هذا الموضوع منها: ما هي هذه المخدرات.؟ وكيف تعمل.؟ وما البيئة المناسبة لعملها.؟ وما رأي الشباب فيها.؟ وهل هي خطر جديد يهدد شبابنا.؟ نعلم أن المخدرات Drugs «هي مواد تؤثر على النشاط العقلي والحالة النفسية لمتعاطيها، إما بتنشيط الجهاز العصبي المركزي أو بتثبيطه، كما تسبب الهلوسات والتخيلات والإدمان، وينتج عن تعاطيها الكثير من المشكلات الصحية العامة والمشكلات الاجتماعية» فالمخدرات هي كل مادة تسبب لمتعاطيها فقدانا كليا أو جزئيا للإدراك بصفة مؤقتة، كما تُحدث فتوراً في الجسم، وتجعل الإنسان يعيش في خيال وهمي فترة وقوعه تحت تأثيرها». واليوم يتم الحديث عما سمي «المخدرات الرقمية Drugs Digital، ولعل هذه التسمية ليست دقيقة علمياً، فالصوت عبارة عن موجات، وليس مادة، تقوم الأذن بتحويله من موجات صوتية إلى موجات كهربائية في الدماغ لتصبح مفهومة؛ وسواء اعتُمد تسميتها مؤثرات أو مخدرات فإن ما يهمنا هنا التعرف عليها، والتعرف على آلية عملها، وآثارها على الشباب جسمياً ونفسياً. معلوم أن سماع الإنسان لنغمات الموسيقى يؤدي لحدوث تغيّرات كيميائية على مستوى الدماغ، حيث تُحفّز الموسيقى إفراز مواد منشطة كالدوبامين و الإندروفين وهي «نواقل عصبية تقلل من إحساس الإنسان بالألم وتعطي إحساسا بالراحة والتحسن»، ومنذ مطلع السبعينيات من القرن الماضي، استخدمت الموسيقى كإحدى طرق العلاج في الطب النفسي، كعلاج القلق والتوتر والأرق من خلال الوصول مع المريض إلى حالة من الاسترخاء الجسدي والهدوء النفسي. ومعلوم أن للأذن عند الإنسان حدوداً في القدرة على سماع الأصوات، فالموجات التي يمكن أن نسمعها تتراوح تردداتها من 20هرتز - 20.000 هرتز، كما أن الفرق بين أقل شدة للصوت وأقوى شدة تتحملها أذن الإنسان تقاس بوحدة قياس هي «الديسبل»، فكلما زادت شدة الصوت كلما كان تأثيره أكثر ضرراً على الأذن، فالأصوات ذات الشدة الأعلى من 120ديسيبل تسبب أضرارا خطيرة لحاسة السمع عند الإنسان، والمؤثرات الرقمية هي» ملفات صوتية تترافق أحياناً مع مواد بصرية وأشكال وألوان تتحرك وتتغير وفق معدل مدروس تمت هندستها لتخدع الدماغ عن طريق بث موجات صوتية مختلفة التردد بشكل بسيط لكل أذن»، ولأن هذه الموجات الصوتية غير مألوفة فإن دماغ الإنسان يعمل على توحيد هذه الترددات القادمة إلى الأذنين للوصول إلى مستوى واحد وبالتالي يصبح الدماغ غير مستقر كهربائياً، مما يسبب خللاً في كهربائيته، وحسب الاختلاف في كهربائية الدماغ يتم الوصول لإحساس معين يحاكي أحد أنواع المخدرات أو المشاعر التي يود المستمع الوصول إليها، فمثلاً عند تعريض الأذن اليمنى إلى موجات صوتية ترددها 315 هرتز، واليسرى إلى موجة ترددها 325 هرتز فإن الدماغ يعمل على معالجة الموجتين لتشكيل موجة صوتية جديدة ترددها 10 هرتز ( الشكل 1)، وهي نفس الموجة التي ينتجها الدماغ أثناء الراحة والتأمل، فكل نوع من الترددات الصوتية يقوم باستهداف نمط معين من النشاط الدماغي، فكلما زاد فارق تردد الموجات الواصل إلى الأذنين، كلما زادت الجرعة المقدمة، كأن تكون في الأذن اليمنى 315هرتز، وفي الأذن اليسرى 345 هرتز وهكذا،،،، الشكل(1) وتتحدث المواقع التي تقدم هذه الملفات الصوتية عن البيئة المناسبة لتحقيق أعلى أداء للمؤثرات الرقمية على الإنسان وذلك باستخدام سماعات عالية الدقة وتوفر مكانا هادئا وإضاءة خافتة، وارتداء الملابس الفضفاضة، ووضع غمامة على العينين، ليتم بعد ذلك البدء بتشغيل الملف الصوتي من خلال تزويد طرفي السماعة بدرجتين مختلفتين من الترددات. وتقدم المواقع التي تعرض هذه الملفات، الجرعات التي يرغب المستمع الحصول عليها، فهناك ملفات قصيرة زمنياً بحدود 15 دقيقة، وملفات لمدة ساعة أو أكثر، كما أن بعض الجرعات قد تتطلب الاستماع إلى عدة ملفات، فبعض هذه المؤثرات الرقمية قد تُحدث تأثيرا سيئا على مستوى كهربائية الدماغ حيث لا يشعر المتعاطي بالنشوة والسعادة فقط, بل يحدث لديه ما نسميه طبياً، بلحظة شرود ذهني وهمي، يقل فيه التركيز بشكل كبير وانفصال عن الواقع، مما يسبب نوبات تشنجية للأطراف ثم لكامل الجسم، تماماً كما يحصل أثناء نوبات الصرع التي يصاب بها عادة من لديهم مرض الصرع Epilepsy، فالصرع هو استعداد الدماغ لإنتاج شحنات مفاجئة من الطاقة الكهربائية التي تخل بعمل الوظائف الأخرى للدماغ مما يسبب تغيراً في كهربائيته وبالتالي حدوث النوبة الصرعية، فوصول ترددين مختلفين للأذنين يؤدي إلى حثّ الدماغ على توليد موجات كهربائية تتراوح أمواجها ما بين ألفا Alfa وبيتا Beta و تيتا Teta وصولاً إلى الموجات دلتا Delta، مما يسبب فقدان التوازن الجسدي والنفسي والعقلي، فموجات دلتا Delta لا تظهر عادة في المخطط الطبيعي للدماغ EEG عندما يكون الفرد في حالة صحو، فهي تظهر فقط أثناء النوم أو تحت تأثير المواد المخدرة، وفي حالات فقدان الشعور. (الشكل 2). ولكن ماذا عن رأي الشباب ....؟ يرى بعض الشباب أن موضوع المؤثرات الرقمية لا يستحق التحدث فيه، لكون هذه المؤثرات لا تشبه المخدرات فهي لا تحتوي على مواد كيميائية توثر فيسيولوجياً على الجسم، بل ذهب البعض للقول إنها قد تؤثر إيجاباً، حيث تُشعر متعاطيها بالاسترخاء أو بالحركة المفرطة والنشاط، ومنهم من أكد على أنها مجرد وهم كبير وأنهم لم يشعروا بأي تأثير عليهم عند سماعها؛ بينما ذكر آخرون حصول أعراض جسمية لديهم، تمثلت في حدوث حالة من الشعور بالسعادة والمتعة، أو حصول نشاط وحركة تشابه التأثير الذي تحدثه بعض المواد المخدرة التي اعتادوا عليها، وقال آخرون إن الأمر لا يعدو كونه عملية نصب من قبل المواقع التي تُروّج لمثل هذه المؤثرات. ولعل خلو هذه المؤثرات من أي مواد كيميائية، ولسهولة الحصول عليها، شأنها شأن أي ملفات يتم تحميلها على الشبكة العنكبوتية (الأنترنت)، شجّع بعض الشباب على تعاطيها ظناً منهم أن لا تأثيرات سلبية لها، وهي لا تحتاج إلى تهريب عبر الحدود وليس لها أوكار للتعاطي. ومهما كان من الأمر فإن موضوع المؤثرات الرقمية بحاجة إلى مزيد من الدراسات والأبحاث من قبل الباحثين والمتخصصين في الطب النفسي والفسيولوجي لمعرفة التأثيرات العضوية لهذه الملفات mp3على الجهاز العصبي المركزي، وخاصة الدماغ، وكذلك معرفة الأعراض النفسية التي قد تحدث لمستخدمي هذه الملفات، فحتى الآن لا يوجد بحوث علمية تشير بشكل قاطع على أن هذه المؤثرات الرقمية تسبب الإدمان، فقد يكون تأثيرها مجرد إيحاء نفسي يعتمد على مدى تقبل الشخص لها، كذلك فإن الشعور بالسعادة أو المتعة باستخدام هذه الملفات لن يعرفها سوى من قام سابقا باستخدام المخدرات كالحشيش والكوكائين والحبوب وغيرها من أنواع المخدرات، والآن يحاول إنشاء نفس الإحساس عبر المؤثرات الرقمية. - المركز الوطني لأبحاث قضايا الشباب بجامعة الملك سعود