بثت فضائيات عربية حوارات ملونة مع الفنان العراقي – الايطالي جبر علوان، بعد افتتاح معرضيه الأخيرين في مركز بيروت للمعارض وغاليري نقاش في دبي، وكان أطول تلك الحوارات وأهمها، حواره مع زاهي وهبي. اعتاد علوان أن يتواصل مع جذوره الشرقية منذ أن استقر في روما في سبعينات القرن العشرين، في موجات الرحيل الكبرى، في كل الاتجاهات، من المهاجرين، أو الناجين من جحيم الحروب، وحملات الرعب والإرهاب الوطني، التي استعرت بعد استيلاء صدام على مقاليد السلطات، ومنها سلطة التعذيب والقتل على طريقة أخيه علي الكيماوي، وسلطة الفقر والتجويع، انسجاماً مع الصرخة المبكرة لبدر شاكر السياب: «ما مرَّ عام والعراق ليس فيه جوع». وهي الصرخة التي تواصلت في أعمال مئات من المبدعين العراقيين في المنافي. تأخذنا الكاميرا إلى عالم ألوان جبر علوان من روما، وفي طليعتها الأزرق والأصفر وما بينهما الأخضر، وتبرز حركة الشخصيات وما حولها بألوان الحنين الذي يستقر في حال من التأمل قد تفيض وتتصاعد إذا انضم إليها الأحمر، وهي ألوان تسبح في أمواج الموسيقى وكرنفالات السينما، وشلالات الرقص الذي يشبه حال الاستعداد القصوى للطيران، في حين تغيب الوجوه خلف غمامة رمادية أو وشاح من الضباب الملون. ويظل علوان مثل شخصياته مسكوناً بالحنين والوجد واللوعة والتوتر والأرق والشوق والتجديد، في الحياة والرؤية والموضوع والألوان، وتظل المرأة هي الأكثر حضوراً، في حالاتها المتغيرة، موضوعاً أثيراً في أحلام الفنان وفي لوحاته. وفي المقابل تتسرب صور الخراب والتدمير اللذين أصابا المدن الشرقية التي يحبها جبر، إلى لوحات تسيطر عليها ألوان الحرائق والانفجارات المجنونة. شكّل بعض هذه البرامج نافذة لنا كمشاهدين على مسيرة فنان اشترك منذ عام 1975 في أكثر من ثلاثين من المعارض الجماعية، وأنجز نحو تسعين من المعارض الفردية، كان حوالى نصفها في أهم المدن الإيطالية، وحوالى ربعها في العواصم والمتاحف الأوروبية والعالمية، من طوكيو إلى سانتياغو، وربعها الآخر في العواصم العربية، فكان أولها في بغداد، ثم في دمشق وحلب وأبو ظبي وبيروت ودبي والكويت والقاهرة وتونس والمنامة والدوحة وعمّان. وبعيداً من المرجعيات القبلية والطائفية المتخلفة التي تختصر الديموقراطية بالمحاصصة المذهبية الساذجة، كبرت تجربة جبر علوان في روما، المدينة المتحف الكبير، المشبعة بالفن وحرية الفنان والإنسان، وهي التي منحته جائزتها المرموقة الكبرى «أفضل فنان»، فكان أول فنان من أصول أجنبية ينالها. وتبدو ألوان علوان كأنها مصنوعة بيديه أو مستعارة من تدرجات السبعة آلاف لون المنثورة في الطبيعة، ومنها الألوان التي لا تراها عين الإنسان، ولكنها تتسرب إلى نسيج اللوحات المسحورة... وربما كان علوان يعرف هذه الألوان الخفية، ولكنه لا يحكي عنها أبداً... ولكن ماذا لو حكت الصورة؟