×
محافظة المدينة المنورة

أمانة المدينة المنورة تؤكد عودة عمالة النظافة الممتنعين عن العمل

صورة الخبر

عندما تشعر بالعطش وتملأ كأساً من الماء تروي به ظمأك فإنك بحكم العادة لا تنتبه كثيراً لمستوى امتلاء الكأس بدقة، فقد يكون قد امتلأ لحافته وربما دون ذلك، ويصدف أحياناً أن يمتلأ الكأس إلى أقصى القمة فترى الأمر المدهش، وهو أن الماء «يكاد» يفيض من الحافة، لكنه متماسك ويظهر على شكل قبة شفافة، وفي الفيزياء يسمون هذه الظاهرة بظاهرة التوتر السطحي، وتفسيرها يقول: إن جزيئات الماء تترابط مع بعضها حتى درجة معينة ويلاحظ أنها تمتد ولو خارج الوعاء الذي يحويها، لكننا لو حاولنا الإتيان بحركة مفاجئة أو لو تعرض الكأس لاهتزاز خفيف بسبب حركتنا أو اهتزازنا، وكذلك لو زدنا كمية الماء التي في الكأس ولو قطرة واحدة، لانسكب الماء وانهمر وصارت الفوضى. الحقيقة لست بصدد شرح نظرية فيزيائية في هذه المقالة لكنها فكرة لافتة وأود لو استخدمها في شرح أمر نتعرض له جميعاً في عصرنا الحالي وفي حياتنا اليومية. والفكرة التي عندي تقول إن حياتنا في هذه الدنيا هي الكأس الذي في يدك، وقطرات الماء التي لا حصر لها في الكأس هي كل ما لك علاقة به في هذه الحياة، وأبعد من ذلك، قد يكون لشخص ما عدة كؤوس، ولنأخذ إنساناً عادياً كمثال وسنجد أن هناك عدة كؤوس في حياته، منها كأس الدراسة إذا كان طالباً وكأس العمل إذا كان موظفاً، وكأس الزوجة والأولاد، وكذلك كأس يمثل علاقته بأقاربه وإخوانه وعلاقاته الاجتماعية الأخرى، وكؤوس ذاتية أخرى لها علاقة بما بينه وبين ربه ومع اهتمامته الأخرى. هذه الكؤوس تبدأ خالية تماماً وشفافة جداً ونظيفة للغاية عندما نجيء للدنيا، ثم نبدأ بالانغماس تدريجياً بالحياة، أطفالاً ثم شباباً ثم كباراً. فيبدأ كل كأس منها بالامتلاء خلال مسيرتنا في هذه الحياة. والمشكلة هنا، أننا في أحيان كثيرة، ودون أن نشعر، نكتشف بعد مدة أن أحد الكؤوس قد امتلأ إلى حافته، وفي لحظة مفاجئة نرى وقد انسكب كل مافي الكأس وضاع بسبب قطرة صغيرة بسيطة أضيفت للكأس وظهرت الفوضى من حوله، ولو بحثنا الأمر لأثار استغرابنا! كيف فاض هذا الكأس؟ فقط بسبب هذه القطرة ولكننا نسينا أو لم ننتبه أن سبب فيضان الكأس ليس بسبب هذه القطرة ولكن بسبب أن الكأس كان ممتلأ ولم يحتج إلا إلى قطرة ليفيض! هذه إشكالية عديد منا في الحياة، كيف نسيطر على كل تلك الكؤوس؟ كل تلك العلاقات والمهام والمسؤوليات؟ وأن نمنع الفوضى من ألا تحدث، ولعل الحل يكون في أمر بسيط، وهو أن يقوم الإنسان بين فترة وأخرى بتفريغ الماء من الكأس الذي قارب على الامتلاء، وهناك أساليب عملية لتحقيق ذلك في حياتنا جميعاً، ولاشك أن مع هذه الأساليب، ستكون الحياة أجود وأجمل وأسعد بتوفيق الله سبحانه، لأننا حينها نعطي كل ذي حق حقه ونحقق التوازن الذي هو سر العيش الطيب. فمن الأساليب والوسائل: أن يهتم المرء بالأولويات، ولو كان فيه مفارقة هوى النفس ورغباته، فالتعب منسي كما يقال، لكن يبقى الجَني اللذيذ والمتعة المضاعفة، فيركز عمله فيما يعود عليه بالنجاح والإنجاز، وذلك في أعمال ذات معنى أكبر وأعمق، ومن الأساليب أن يحاول المرء النسيان، ينسى مشاكل لا يمكن حلها أو مر زمنها فلا يعيد استحضارها وتجسيدها وهي قد ولّى ظرفها، الوسيلة العملية الأخرى للتعامل مع تلك الكؤوس هي التسامح، فإطلاق النفس نحو كل ما في البال من توجسات وأفكار غير إيجابية نحو الآخرين والأشياء من حولنا لا يأتي إلا بمثيلها من الأفكار غير الإيجابية وبالتالي تمتلئ كؤوسنا بما لا يفيد، فلنتجنب ذلك ما استطعنا، أيضاً تعميم حسن الظن ففيه الراحة والبعد عن القلق والتفكير الزائد عن الحد، وبالطبع فإن الانشغال بكؤوس على حساب كؤوس أخرى سيزيد منسوبها من الماء وتزيد احتمال فيضانها، وبالتالي يجب أن ننوع اهتماماتنا وتوجهاتنا وأفكارنا نحو الحياة، فما أوسع الحياة وما أكثر الفرص والإمكانات لمن أراد. وأتذكر بهذا الصدد أيضاً، قصة أحد الأساتذة الذي سأل ذات يوم طلبته وهو ممسكٌ بكأس فيه ماء ورفعه ليراه الجميع، برأيكم كم يزن هذا الكأس؟ فكان جواب الطلبة أن وزنه خفيف لا يذكر، فسألهم سؤالاً آخرَ: ما الذي سيحدث إذا حملت هذا الكأس لعدة دقائق؟ أجاب الطلبة: لن يحدث شيء، فسألهم: ما الذي سيحدث لو أني مكثت رافعاً الكأس لساعة كاملة؟ أجاب أحد الطلاب: سيؤلمك ذراعك، قال الأستاذ: كلامك صحيح، الآن ماذا سيحصل إذا حملته طوال اليوم؟ أخذ الطلاب بالضحك ثم قالوا: لا شك بأنك ستشعر بخدر في يدك بسبب الإجهاد العضلي، وربما لن تتمكن من تحريكها، وحينها قد تحتاج إلى زيارة الطبيب. فقال الأستاذ: جميل جداً ولكن هل تغير وزن الكأس أثناء كل هذه الأحداث؟ فكان الجواب: لا، بالطبع لم يتغير. فبادرهم الأستاذ بالقول: إذن، ما الذي سبب الألم في ذراعي وأصابها بالخدر؟ وما الذي ينبغي عليّ فعله لإزالة الألم؟ قال أحد الطلاب: ضع الكأس جانباً. فقال الأستاذ: بالضبط، هذا ما أردت أن أسمعه منكم. لذلك ونحن في الحياة، نحتاج لنضع الكأس جانباً ونرفع كأساً آخر، لذلك يا عزيزي القارئ إذا كنت ممسكاً بكأس ما وأنت تقرأ المقال، وتشعر أنك قد تعبت وأنت تفعل ذلك، رجائي هنا، انتبه واسمع النصيحة، ضَع الكأس.