اعتبر محللون دوليون أن إعلان السعودية عن أكبر ميزانية لها في العام المقبل مثّل ثقة بالاقتصاد السعودي ورسالة مهمة لطمأنة الأسواق، إلا أن المحللين انتقدوا حالة اضطراب الأسواق في أوروبا وأمريكا والجمود الذي أصاب بعض الاستثمارات بانتظار انخفاضات جديدة في أسعار النفط وهو ما يهدد بانكماش واسع في الاقتصاد العالمي. ويقول هنري حافظ نائب رئيس الغرفة التجارية العربية ـــ النمساوية وهو رجل أعمال لبناني لـ"الاقتصادية"، إن الاقتصاد السعودي أثبت عمليا أنه قوى ويتمتع باحتياطيات وفوائض مالية تمكنه من امتصاص الأزمات الاقتصادية الدولية وحسن إدارتها والتعامل معها. وأضاف أن السعودية نجحت خلال السنوات السابقة في تحقيق تنويع جيد لمواردها الاقتصادية خاصة الاهتمام بصناعة البتروكيماويات وتشجيع تنمية الاعتماد على الطاقة البديلة وغيرها من الأدوات الاقتصادية الجيدة. وأوضح حافظ أن إعلان السعودية قبل أيام عن أكبر موازنة في تاريخها للعام المقبل تتضمن إنفاق 860 مليار ريال خلال 2015، تعد رسالة قوية للأسواق، مؤكدة قوة الاقتصاد السعودي وسلامته الذي يحتاط لكل المتغيرات في سوق النفط ولا يعد الميزانيات وفق أسعار مرتفعة لبرميل النفط. وأشار نائب رئيس الغرفة التجارية العربية ـــ النمساوية إلى أن السعودية أكدت أيضا أنها ستستمر في الاستثمار في المشاريع التنموية لقطاعات التعليم والصحة والخدمات الاجتماعية وفى برامج الدعم والمساعدات التي تقدمها لدول عربية أخرى وأنها مستمرة في استثماراتها العربية والخارجية، وهو ما يجب أن ينعكس في طمأنة الأسواق بعد أن تسببت حالة الخوف والترقب في انهيار عديد من البورصات العربية خلال الأيام الماضية. وذكر حافظ أن السعودية تتوقع نمو الناتج المحلي الإجمالي بالأسعار الثابتة بنسبة 3.59 في المائة في 2014 مقابل 2.67 في المائة في 2013 وهى مؤشرات جيدة لواحدة من أكبر منتجي النفط في العالم وتؤكد قدرة الاقتصاد السعودي على امتصاص الأزمات والاستفادة من جوانبها الإيجابية، ومنها دون شك انسحاب المنتجين الصخريين الجدد الذين تسببوا في تخمة المعروض على حساب الطلب العالمي في سوق النفط. من جانبه، أوضح عامر البياتي المحلل السابق في "أوبك"لـ"الاقتصادية"، أن تعاملات الأسبوع الماضي اتسمت بالهدوء الشديد بمناسبة الإجازات إلا أن بعض السمات ظهرت بوضوح في السوق أهمها زيادة تخمة إمدادات المعروض في الولايات المتحدة التي تعتبر أكبر مستهلك للنفط في العالم، كما زادت المخاوف بشكل كبير بشأن هبوط الإنتاج في ليبيا بعدما تجددت الاشتباكات المسلحة وتسببت في تعطيل الإنتاج في عديد من الحقول الرئيسة. وأشار البياتي إلى أن تقارير اقتصادية كشفت عن المأزق الكبير الذي يواجه الاقتصاد الروسي بعدما أكد وزير المالية أن اقتصاد بلاده قد يتقلص 4 في المائة من إجمالي الناتج الداخلي وأن عجز الموازنة سيبلغ 3 في المائة خلال 2015 بسبب تراجع أسعار النفط وانهيار سعر صرف الروبل أمام الدولار الأمريكي وبقية العملات الرئيسة. وأكد البياتي أن قطاع الطيران من القطاعات الاقتصادية المهمة التي تواجه أزمة طاحنة في روسيا بسبب ارتباطها بأسعار النفط، وأنه على الرغم من أن القطاع سجل انتعاشا عالمياً إلا أنه في المقابل سجل انخفاضاً في روسيا بسبب انخفاض أسعار النفط وانهيار قيمة الروبل وتصاعد الأزمة الأوكرانية وشكل هذا مردوداً سلبيا على شركات الطيران الروسية. وقال البياتي إن هناك بوادر توتر في التعاون النفطي الكبير بين روسيا والصين وذلك بعد أن ثار جدل في بكين عن تورط الحكومة الصينية في استيراد بترول مرتفع الثمن من روسيا ما جعل الصين أكبر خاسر بسبب الانخفاض الشديد لأسعار البترول العالمية وهو ما دفع الحكومة الصينية إلى نفى هذا الأمر والتأكيد على أن تعاونها البترولي مع موسكو يأتي على أساس المنفعة المتبادلة وأن الصين وروسيا نفذتا تعاونا جيدا في تجارة البترول على المدى الطويل في السنوات الأخيرة. وأكدت الحكومة الصينية أنه طبقا للاتفاق الموقع مع روسيا فإن صيغة الأسعار التجارية للبترول الخام بين الصين وروسيا مرتبطة بأسعار البترول العالمية وبالتالي تتغير طبقا لتغير الأسعار. وأشار كريستيان شنبور مختص الطاقة النمساوي لـ"الاقتصادية"، إلى أن التوتر أصبح السمة السائدة في أسواق الطاقة العالمية بعد استمرار التراجع الحاد في أسعار النفط الخام على مدى ستة أشهر ليفقد قرابة 50 في المائة من قيمته. وأضاف شنبور أن استمرار حالة الترقب وتوقع المزيد من الانخفاضات دون الوصول إلى الاستقرار أو القاع السعري أدى إلى تجميد الكثير من الأنشطة الاستثمارية ويهدد بحالة من الانكماش الاقتصادي الدولي، لافتاً إلى أن حالة الصعود والهبوط في أسواق البورصة خلال الأسابيع الماضية خير دليل على ذلك. وقال شنبور إنه من المفترض أن يؤدى انخفاض أسعار النفط الخام إلى تحفيز الإنتاج في الدول المستهلكة ولكن الاستجابة لهذا الأمر مازالت بطيئة وغير ملموسة بسبب حالة الترقب وتوقع الأسوأ، وذلك في ظل توقع البعض من أنه إذا استمر هبوط سعر النفط، فقد تقع منطقة اليورو في فخ الانكماش الاقتصادي الحاد. وشدد شنبور على الحاجة إلى دفع عجلة النمو في الاقتصاد الدولي وبث الحياة في شرايين عجلة الاستثمار والإنتاج لأنه بسبب توقع استمرار انخفاض سعر النفط يؤجل كثيرون صفقات مشترياتهم وتقوم الشركات بتجميد أو تأجيل تنفيذ خطط الاستثمار. وأوضح مختص الطاقة النمساوي أن كل هذه السلبيات تؤجل عملية تنشيط الطلب وتسقطنا في دوامة جديدة من تراجع الأسعار والركود الذي يطال حاليا ليس فقط الدول النامية المنتجة بل يمتد إلى أكبر اقتصاديات العالم الصناعية ومنها أمريكا واليابان والصين. وأكد أن السلاح الذي حاربت به الولايات المتحدة سوق النفط عن طريق إغراقه بالنفط الصخري وتحقيق تخمة في المعروض وانهيار الأسعار سيرتد هذا السلاح إليها مرة أخرى إذا علمنا أن صناعة استخراج النفط من الصخور حصلت على قروض بأسعار فائدة عالية جدا وإذا ما أفلست هذه الشركات وعجزت عن سداد ديونها فإن الولايات المتحدة مهددة بانهيار اقتصادي لا يقل عن الانهيار الاقتصادي والأزمة الاقتصادية الحادة التي وقعت بسبب قطاع العقارات عام 2008 وأدت إلى تداعيات ما زال يعانيها الاقتصاد الدولي. وفى سياق متصل، وفيما يخص أسعار النفط في الأسبوع الماضي، تأثر سوق النفط هذا الأسبوع بالإجازات في أوروبا بمناسبة أعياد الميلاد ومالت التعاملات إلى الهدوء وتوقفت تقارير منظمة الدول المصدرة للبترول (أوبك) التي تتابع الأسعار اليومية للسلة التي تضم 12 خاما للدول الأعضاء. ووفق آخر تعاملات وبحسب بورصة نيويورك التجارية، تمت تجارة العقود الآجلة للنفط الخام في شباط (فبراير) على 56.20 دولار للبرميل وارتفع بنسبة 0.64 في المائة. وتمت المتاجرة مسبقا على جلسة ارتفاع 56.52 دولار للبرميل علما بأن النفط الخام قد يجد نقاط الدعم على 55.06 دولار والمقاومة على58.53 دولار. وفي الوقت نفسه على "نايمكس"، ارتفع سعر نفط برنت لشهر شباط (فبراير) بنسبة 0.39 في المائة لتتم المتاجرة به على 60.48 دولار للبرميل، بينما فرق النقاط (السبريد) بين عقود نفط برنت والنفط الخام يقف على 4.28 دولار للبرميل. وكان سعر برميل الخام قد أنهى التعاملات في سوق نيويورك، على تراجع في سوق مترددة منذ عشرة أيام تحت ضغط عرض مرتفع وأغلق سعر برميل الخام المرجعي الخفيف تسليم شباط (فبراير) على 54.73 دولار متراجعا 1.11 دولار، غداة إغلاق البورصة بمناسبة مواسم الأعياد.