شهد العالم الأسبوع الماضي حرباً كلامية تبادل التهم فيها كل من الولايات المتحدة الأمريكية، وإحدى أشد دول العالم عداءً لها ألا وهي كوريا الشمالية على خلفية اتهام الإدارة الأمريكية للحكومة الكورية الشمالية بمهاجمة شركة سوني اليابانية العملاقة للإلكترونيات وألعاب التسلية إلكترونياً (هاكينج)، والتسبب في أضرار كبيرة للشركة اليابانية الشهيرة، ونشر القرصنة الإلكترونية عالمياً، وأكد الرئيس الأمريكي باراك أوباما أن هذا الهجوم الكوري الشمالي جاء كرد فعل على إعلان شركة سوني اليابانية إطلاقها فيلماً هزلياً ساخراً من إخراج الشركة بعنوان "المقابلة"، تدور أحداثه عن محاولة "متخيّلة" لاغتيال الرئيس الكوري الشمالي كيم غونغ أون، وجعله متاحاً على عدد من مواقع الإنترنت العالمية المتخصصة في نشر الأفلام والمقاطع كمثل موقعي يوتيوب وقوقل بلي. المتابعون لهذه القضية يُؤكِّدون بأن الهجوم الإلكتروني بدأ منذ شهر تقريباً، وبالتحديد يوم الاثنين 24 نوفمبر 2014م، إذ قام المهاجمون يومئذ باستبدال الصفحة الرئيسية لموقع الشركة بصورة الموت (عظمتين وجمجمة)، ثم توالت الهجمات على موقع الشركة وتسرَّبت منه الكثير من الرسائل الإلكترونية الإلكترونية المهمة والبعض منها مثير للجدل، وقد تكبّدت الشركة حتى الآن ما يزيد عن نصف مليار دولار جراء هذا الاختراق الإلكتروني. وقد تكون كوريا الشمالية ضالعة في هذا الاعتداء الإلكتروني، وقد لا تكون، فالاحتمالات متعددة، منها على سبيل المثال لا الحصر التالي: - أن يكون ذلك بالفعل من عمل الاستخبارات الكورية الشمالية إذ أنه من المعلوم أنها تمتلك تلك القدرات بشكل قوي. - أو أنه عمل قام به بعض المواطنين الكوريين الشماليين انتقاماً لهيبة دولتهم، علماً بأن نسبة الكوريين الشماليين الذين يتمتعون بخدمات الإنترنت ضئيلة جداً. - أنه عمل قام به بعض قراصنة الشبكة الإلكترونية (الهاكرز) المستقلين لأهدافهم الخاصة، وصادف نشوب المشكلة حول الفيلم المشار إليه بين كوريا الشمالية وشركة سوني، وتطور الوضع إلى مزيدٍ من التأزم بين كوريا الشمالية والولايات المتحدة، لأن العلاقة بينهما لم تزل متأزمة منذ خمسينيات القرن الماضي، وهذا الاحتمال ليس بمستبعد كون سوني ظلت لعقود مستهدفةً للاختراق الإلكتروني المتكرر نظراً للضعف النسبي لموقعها الإلكتروني ضد عمليات القرصنة الإلكترونية، بل إن الربط بين الحدث وكوريا الشمالية كان استنتاجاً جاء به الإعلام الغربي بعد أن ربط بين الحادثتين، وكلنا يعلم كم أصبح الإعلام الغربي فاقداً للمصداقية. - كما أنه يمكن أن يكون عملاً من الداخل قام به بعض موظفي شركة سوني الحاليين أو السابقين انتقاماً لعدم اتفاقهم مع إدارة الشركة في بعض سياساتها واستراتجياتها. عدد من الجهات الأمنية الأمريكية متحفظ على توجيه التهمة إلى حكومة كوريا الشمالية؛ نظراً لعدم توافر الأدلة الدامغة بإدانتها لديهم، لكن المهم هو أن هذه الحادثة لم ولن تكون الوحيدة من نوعها، فاختراقات المواقع الإلكترونية الأمنية والمالية والسياسية أصبحت أمراً واقعاً لا مفر منه في واقع العالم الذي نعيشه، ولابد أن نتفاعل معه بشكل إيجابي بتحصين كل مواقع الدولة الأمنية وسواها، وكل مواقع البنوك المحلية، بل ويجب إدماج ثقافة الأمن الإلكتروني في مناهج التعليم منذ الصغر بالمملكة لدينا، بداية من أمن الهواتف الذكية التي يحتفظ فيها الناس بمراسلاتهم وصورهم العائلية وسواها من المعلومات الحساسة بالنسبة لأي شخص. وربما النصيحة الكبرى التي يقول بها المتخصصون في أمن المعلومات هي: قلّص من اعتمادك على حفظ المعلومات إلكترونياً قدر الإمكان؛ تكن في منأى نسبي ممن يتطفلون عليك ليل نهار.