عندما نتجول في طرق مدننا العامرة، إلا من ذكر اللغة العربية، لا ندري أين نحن! فأسماء الفنادق والمجمعات والمحلات التجارية والمطاعم والمقاهي في الغالب أسماء إنجليزية، إيطالية، فرنسية، يابانية، روسية، مكسيكية، هندية.... وفي أفضل الأحوال نصف عربي ونصف من ملة لغوية أخرى. نطأطئ الرؤوس خجلاً من غزو الحابل والنابل لثقافتنا، لروحنا، لذوقنا، لانتمائنا، وهويتنا. سئمنا وهرمنا، من تسول ثقافات الأمم، لقد هرمنا فعلاً عندما عجزنا عن توليد الأفكار والمعاني والأسماء، واعتمدنا ثقافة التبني من الآخرين. كيف يحدث ذلك في ثقافة تحتوي لغتها على 12 مليون مفردة! فتقف على عتبات لغة لا تحتوي إلا على 600،000 مفردة. النتيجة تلك الصفعة التي تلقيناها من الناشئة عندما اخترعوا كتابة اللغة بالعربيزي ففتحت حصوننا على مصراعيها من الداخل، لن يتوقف الأمر سنرى العركوري مع موضة الثقافة الكورية والعربيسي مع الفرنسية وغيرها كثير. وسيتحول المثل العربي الشهير (عش رجبًا ترى عجبًا) إلى (عش يناير ترى surpise). أين الخليل بن أحمد الفراهيدي يسمع ويرى، فالرجل لم ترتطم رأسه بسارية المسجد ليكتب فتىً لم يشب عن الطوق بالعربيزي ويغرق في بحر شعر من بحور الخليل. ولم يهبّ ابن باديس، ويبذل الغالي والنفيس رخيصًا، لتعود الجزائر إلى لغتها الأم، ثم يُنسى! وتعرف بلد المليون شهيد بلاعب كرة شهير، يرحمه الله، علم طلابه وأنصاره نصرة اللغة العربية بطريقته الإبداعية الخاصة، عندما سأله أحد طلبته يومًا عن فرنسا هل هي فِرنسا بالكسر أم فَرنسا بالفتح فقال: إكسرها كسرها الله. ثلاث كلمات كانت كثلاث رصاصات صوبها في صورة فرنسا التي عششت في الأذهان. عندما تصل حضارة شعب ما لشعب آخر، فإنها تصله بحمولها اللغوية والثقافية، بمبادئها وأساليبها في الحياة. فتصيبه في مقتل، إذا ألقيت نظرة مثلًا على أطيب الروائح للعطور الفرنسية، تجدها مزينة بكلمة كريستيان، فترتبط الرائحة بالكلمة لا تنفك منها إلا إذا انفكت الكلمة وحلت محلها كلمة من كلام القوم ومعتقدهم. يرحم الله الدكتور عبدالوهاب المسيري أبلغ من كتب في هذا المجال، فكانت له مسيرة مسيرية في نقد حضارة الرجل الأبيض أثناء معايشته لها فأسس المنهج الرابع في نقد الفكر الغربي، وآخر مقالة كتبها قبل رحيله (الإنسان والشيء) نشرتها صحيفة الجزيرة القطرية تجسد هذه المنهجية. مسيرة المسيري لم تنته، فهذا الدكتور أحمد خيري العمري، يكملها في كتابه الفردوس المستعار والفردوس المستعاد، فينسف عروشًا أقيمت على المحيط الأطلسي ويهدم تمثالًا يزعم الحرية. لن نستسلم ننتصر أو نموت، أيقونة النصر قالها عمر المختار... فانتصر! ونحن لن نستسلم سننتصر بإذن الله فصاحبة الجلالة (اللغة العربية) قادمة بخيلها وخيلائها قادمة بجمالها وكبريائها، يتقدمها ثمانية وعشرون أميراً على خيول مسروجة يفتحون بلاد العرب أوطاني.