×
محافظة المنطقة الشرقية

جامعة الملك سعود تدعو المرشحين لوظائفها لمراجعتها

صورة الخبر

رواية"الميكانيكي" للروائي طاهر الزهراني والصادرة عن الدار العربية للعلوم هي إحدى الروايات السعودية التي تحاول أن تدون حكاية الحب، لكن هذه الحكاية العاطفية لا تأتي خالصة فهي تقدم بنكهة اجتماعية. ورغم حجم  الرواية، الصغير نسبيا، فإن المؤلف يقدم الحكاية بعدة أصوات سردية لكلٍّ منها دوره في إضاءة النص.في هذا الحوار نتعرف على رؤية الروائي طاهر الزهراني في روايته الميكانيكي: * روايتك حملت عنوان "الميكانيكي"، وفي الإهداء نجد عبارة إلى "عمال الدنيا". مثل هذه العبارة تنبيء بدلالة قد تأخذ القارئ إلى الاعتقاد بأن النص سوف يخوض في غمار أزمة العمال، لكننا نجد البطل ميكانيكياً كسولاً، يقضي وقته في العلية، يدخن ويشرب الشاي ويعيش قصة حب. - الكاتب يحاول كسر التنبؤ دائما، وقد تحدثت في الفصول الأولى من الرواية عن أجواء المهنة ومثابرة الميكانيكي وعصاميته. ما ذكرته عن الكسل، وقضاء الوقت في التدخين وشرب الشاي، وتصفح النت، والانتظار في العلية، كل هذه الأمور من تداعيات علاقة الحب التي يعيشها، وأردت أن أبين أن هذه الحالة قادرة على صنع مفارقات واضحة في حياة البطل وممارساته اليومية. * في بداية الرواية كانت هناك لمحة من الحديث عن عالم المكانيكا، لكن الحديث بعد ذلك انقطع، فيما عدا بعض العبارات الخاطفة، وأصبحت الورشة مجرد مكان لتداعيات بطل الرواية عن الحب. بماذا تفسر هذا الانقطاع؟ - بالفعل الورشة هي مكان لتداعيات الحب، كما قررت هذا في الإجابة الماضية، الميكانيكا وحياة الورش هي ثيمة الرواية أو تأطير للحدث، لأن محور الرواية هو علاقة الحب، ثم يأتي تطعيم الأجواء بعد ذلك بالمهنة، فالحديث عن الورش جاء في البداية كمدخل للرواية، وفي منتصفها أثناء الغياب، ثم في آخر الرواية كهروب من الذكرى.  * في رواية "ساعي بريد نيرودا" نجد الساعي يتدرج في محبة الشعر وفي "سينما بارديسو" يتدرّج مشغل الأفلام في حفظ المقولات لكن بطل روايتك، الذي لم يكن يحب القراءة، نجده خلال فترة قصيرة، وقد استشهد بمقولة "غرنوي"، بطل رواية "العطر"، عن الرائحة وكذلك نجد أن ذائقته في اختيار الكتب السينمائية ذائقة نخبوية! هل ترى هذه القفزة القرائية مبررة لبطل روايتك؟ - نعم، فقد وجدت أن الحب لا المعرفة كان هو الدافع لهذا الشغف بالقراءة، ثم أني لم استشهد بمقولة لبطل رواية "العطر"، بل طرحت سؤالا، وقلت: كيف سيتعامل غورنوي مع الرائحة؟، ربما عرفه من خلال الفيلم وليس الرواية. أما قراءة كتب السينما فالبطل شغوف بالسينما وكل ما له علاقة بها، لهذا وعيه السينمائي يدفعه لقراءة كل ماله علاقة بها، وأعرف شخصا لا يحب القراءة، لكنه يحرص على قراءة كل كتاب يخص السينما، ويقرأ تلك الروايات التي تحولت إلى أفلام،  في النهاية بطل الرواية يملك وعيا كثيفا للفن، ومن يملك هذا الوعي لا يستغرب منه أن ينتقل ويتحول فجأة. * بطلة الرواية تهدي لعادل رواية "راوية الأفلام" التي تمت ترجمتها في عام 2011 وأحداث رواية الميكانيكي وهي صادرة عام 2014  تمتد إلى اربع سنوات مضت. ألا تعتقد أن استحضار رواية "راوية الأفلام "غير مناسب لزمن روايتك؟ - اخترت هذه الرواية تحديدا لقرب أجوائها من الرواية، ثم نظرت في تاريخ صدورها ووجدت أنها صدرت عام ، لهذا لم أعر اهتماما لمسألة الترجمة، لأن ظهور ترجمة لأي عمل هو أمر وارد محتمل في أي وقت.. * أخذت تداعيات البطل عن سيرة الأسرة وعن جدة حيزاً كبيراً من السرد. هذه التداعيات وبكل تفاصيلها لم تضف للحكاية عمقاً حقيقياً. هل كان مبرر حضورها مستمداً من كون الحكاية العاطفية، التي هي ثيمة النص الأساسية،  محدودة وبالتالي تم اللجوء إلى هذه التداعيات؟ - لا أريد أن أتورط في المنافحة عن عملي، ولكن دعني أبين وجهة نظري: سيرة الأسرة، والحديث عن العيش في جدة كان من أجل التعري أكثر أمام الطرف الآخر، لذا حاول أن يُكفِّر ويعاقب نفسه بالكشف نتيجة إخفائه لهذه المهنة، وقد نسميها محاولة تبربر للعيش والاختيارات.. لكن لأكن صريحا معك ومع القراء، لم أعان من المحدودية والشح، وضيق العوالم إلا في الحديث عن الورش، وأذكر أن الصديق محمود تراوري تمنى لو كانت الأحداث كلها في عالم الورش والميكانيكا بعيدا عن الثقافة والسينما، وأذكر أني قلت له أن هذا النوع من الكتابة بحاجة إلى روائي بارع، وأنا لا زلت في طور التجربة، هذا غير الحيثيات التي يكون لها سطوة على الكاتب عند كتابة أي عمل.  * في صفحة  85، نجد عبارة وحيدة "وبعد ثلاث سنوات".. مثل هذه العبارة تعدّ حيلة يلجأ إليها السينيمائيون في أفلامهم. أنت كسارد لماذا لجأت إلى مثل هذه الحيلة السينمائية؟ - ببساطة لأن البطل متأثر بالسينما، هذا أمر، الأمر الآخر وبما أنك ذكرت رواية "ساعي بريد نيرودا"  لسكارميتا، أريد فقط أن أذكرك بروايته "عرس الشاعر"  فقد ذكر مثل هذه الجملة بعد فصلين من الرواية. وفي السينما على سبيل المثال نجد في فيلم كوينتن تارانتينو "أوغاد مجهولون" أن المخرج قسم الفيلم على هيئة خمسة فصول، هذه التكنيك في الأصل نجده في الكتب، وليس في الأفلام، لكنه وظفها بشكل جيد، هناك الكثير من الروائيين استفادوا من التقنيات السينمائية، وفي المقابل نجد أن السينما لا تقوم إلا بالسرد، والحكاية، والحوار وهنا تتجلى عظمة الفن، حيث إن الفنون قادرة على أن تغذي بعضها البعض. * في الحديث الأول بين سارة وعادل نجد حديثا مطولا عن الأفلام وعن أريحية سارة في الكلام. مثل هذه الأريحية والانسيابية في ذلك الحديث لا تحدث في الواقع بحسب معطيات الواقع الاجتماعي. ألا تعتقد أن تدبير ذلك المشهد العاطفي كان خاليا من الصدق الفني؟ - الحديث الطويل مهدت له بحديث تمهيدي عند أول لقاء، بعض اللقاءات والعلاقات العاطفية في الواقع، أغلبها - إن لم أبالغ- تحمل بدايات غير منطقية، وعلى فرض أن هذا لا يحدث في الواقع ليحدث إذن في الرواية، والعوالم الافتراضية؛ فهي عوالم كريمة. عبارة "قد يحدث" تنطلق منها الكتابة، وأيضا عبارة "قد لا يحدث" تنطلق منها الكتابة في أحيان كثيرة. * عندما نتأمل شخصية سارة لا نجد أنها تحمل خصوصية معينة سواء على مستوى البعد النفسي أو الشكلي. فنجد الأوصاف العامة مثل: أنها محبة للكتب والأفلام وإن ضحكتها فاتنة وواسعة. بماذا تفسر غياب الخصوصية لشخصية سارة؟ - معك في هذه النقطة، ربما يعود السبب كوني أكتب القصة القصيرة، وهي تقوم على التكثيف والاختزال، والجمل القصيرة. وهناك أمر آخر يتجلى في كُتّاب الرواية عندنا، وأنا منهم، وهو حضور المرأة الباهت في النص الإبداعي، وأتصور أن هذا الأمر له علاقة بحضورها على النسق نفسه تقريباً في الواقع المعاش، وهذا الموضوع يحتاج إلى حديث مطول، ليس هذا موطن طرحه. * في رواية "أطفال السبيل" يكون  البطل عاشقاً للأفلام وكذلك بطل رواية "المكيانيكي". هذا التولُّه بالسينما لا نجد أثره في تلك الشخصيات وتكوينها. نجدهم مجرد عشاق للأفلام. لماذا تكرار هذه الصفة لأبطال رواياتك؟ - شيء جميل، فكما أن أبطال موراكامي يحبون الموسيقى، وأبطال سكارميتا يحبون الشعر، وأبطال يوسا يحبون التشكيل لا أرى بأساً في أن يحب أبطال رواياتي السينما، لا أرى في هذا عيبا، رغم أني ذكرت في حوار لي ذات مرة، أني سوف أسعى للاستفادة من تقنيات السينما في رواياتي بعيدا عن مضامينها، وأثرها على شخوص رواياتي. لماذا تتكرر؛ ربما بسبب شغفي بهذا الفن، ربما يقول أحدهم هذا لا ينبغي، فأقول أنا لا أتحلى بهذه الصرامة مع الأدب، في الوقت الذي نرى فيه أعمالا تعتمد بشكل أساسي على السيرة، والتخييل الذاتي. لكني أيضا مع التنوع وخلق شخصيات مختلفة، ومتنوعة، ومستقلة.  * في كل رواية عاطفية  يكون هناك ابتكار في نموذج الحب. في روايتك نجد أن  بطلة الرواية تصاب بالمرض. ألا تعتقد انك لجأت للحل الكلاسيكي في رسم تلك العلاقة بين الطرفين؟ -الرواية بسيطة، كتبتها بمتعة، وهدوء، حالة كأي حالة إنسانية قد تحدث، لهذا لم أحاول "أكشنة" الحدث، أو الإتيان بأشياء خارقة. المرض والموت، أشياء قائمة، ومؤثرة، نحمل لها هاجساً يطرق أرواحنا في كل لحظة، ومع اليقين الذي نحمله عن هشاشتنا، ومصائرنا المتقاربة، رأيت أن تسير الأحداث وفق عارض متوقع. * في الفصل الأخير نجد البطل يسكب تداعياته ورثاءه للحياة وللحب وللحبيبة سارة، لكن الأم وهي المصابة بذات المرض نجدها غائبة عن تداعيات البطل. بماذا تفسر ذلك؟ - وقد يرى قارئ آخر أني لو تحدثت عن الأم، وخصصتها بفصول تتحدث عن مرضها، أني أهرب من الحدث الأساس في الرواية إلى الرثاء والبكائيات. هذا يجعلنا نتطرق للحديث عن التناول، فالقارئ أو الناقد يتقمص في بعض الأحيان دور "لو كان هو الكاتب" ويرى لو أن النص كتب بطريقة أخرى لكان أفضل، هذا التنمر يمارسه النقاد كثيرا لأنهم لم يقارفوا الفن؛ من يكتب نصا إبداعيا يتصالح مع نصه، يكتبه بتواضع، ربما يقع في بعض الهفوات، وعدم الرضا، وهنا يتكون الوعي بالكتابة؛ سوف يعيد النظر للعميلة الإبداعية، وطرح الرؤى والانطباعات، سواء مع ما يكتبه هو، أو مع ما يكتبه الآخرون. الكتابة إذن تساهم في وضع تصور عن عملية الكتابة، ويدرك من يقترفها أنها بحاجة إلى ممارسة ودربة، وإن الوصول إلى الإتقان يحتاج إلى فترة تطول أو تقصر لينتقل من طور التجربة والمحاولة بكل هفواتها إلى طور الكتابة الناضجة، وحتى لو وصل هذه المرحلة، سيجد الانطباعات والآراء متفاوتة، لتفاوت الذائقة.