الربيع العربي ارتبط عندي ببيت من الشعر الفصيح للشاعر العربي الذائع الصيت أبو الطيب المتنبي، البيت باختصار يقول «في الخد إن عزم الخليط رحيلا...مطر تزيد به الخدود نحولا» ولتوضيح علاقة الارتباط بين المفهومين سأكتفي بإيراد المعنى العام للبيت، والذي يصور فراق الحبيب والدمع عليه بالمطر الذي يذهب بنور العيون وبنضارة وجه الباكي، في الوقت الذي من طبيعة المطر تخضيب الأرض وبث الحياة والنضارة فيها هذا ما يسمى بالربيع العربي يعني الخضرة والإزهار وفي الواقع يجلب عكس ذلك تماما. أي أن المطر يأتي بالجفاف والمحل، وربما هذا هو الربيع العربي الذي جلب للمنطقة العربية إلى الآن كثيرا من الويلات. واحدة من حالات التعافي لبعض أطراف الجسد العربي قادتها الرياض باقتدار عبر دعوة المصالحة التي أمنتها السياسة السعودية ممثلة في تحصين البيت الخليجي بالدرجة الأولى وتعزيز قوة البناء السياسي فيه ولم تتأخر الخطوة الأكثر أهمية والتي رسمت منذ اللحظات الأولى في التفكير في مستقبل البيت الخليجي والعربي وأعني بها إزالة الغموض عن العلاقة المتينة والإستراتيجية للرابطة العربية الخليجية بجمهورية مصر العربية وهي في الحقيقة محاولة للإبقاء على مكونات جوهرية في صلب كيان المنطقة العربية. بيان الديوان الملكي السعودي يوم الأحد 21 ديسمبر 2014م كان إضافة نوعية عكست حرص خادم الحرمين الشريفين على وضع الأمور في نصابها الصحيح بدعوة دولة قطر وجمهورية مصر العربية لإزالة كل أشكال الاحتقان والتوتر بينهما وإقامة نهج جديد للعلاقات بين الجانبين، وفي هذه الجزئية يجب التوقف عند نقطتين لهما أهميتهما الأولى وعي القيادتين المصرية والقطرية بأهمية المبادرة، والتقاط الركن الايجابي في المبادرة بشفافية وحرص ومن ثم التعامل بواقعية تتسامى على ساعات الشحن الإعلامي والتراشق اللامسئول من هنا وهناك، النقطة الثانية انه كان هناك إدراك ووعي من القيادات العربية للدول الثلاث بأهمية المعطى التاريخي وانعكاساته على المنطقة العربية بشكل عام. الأمل البعيد لهذه المبادرة أن تكون لبنة لبناء جسر قيادي عربي يستطيع أن يثبت وجوده في تشخيص وحل المعضلات التي تحيط بالمنطقة أو على الأقل المساهمة في درء غوائل بعض ما يخطط له تجاه قلب الموازين بشكل لا معقول على امتداد الساحة العربية. في ضوء هذا التحرك العربي الذي تقوده الرياض في هذه المرحلة بمعونة ظاهرة من تكتل دول مجلس التعاون لدول الخليج العربية الباقية، وبمساندة إستراتيجية من الشريك العربي الأبرز في المنطقة جمهورية مصر العربية تتبلور معطيات مهمة ولها تأثير على العمل السياسي الجماعي العربي وهي في الواقع ذات ارتباط بعنصرين مهمين في الحياة السياسية الحديثة، وأعني بذلك عنصر الإعلام الذي يتحمل مسئولية ليست بالهينة في تعزيز هذه المسارات التصالحية والمؤمل أن تفضي إلى مناخات تعاضدية في المستقبل مبنية على زخم الرسائل الايجابية التي تتبناها وسائل الإعلام الجماهيري في المنطقة. بعبارة أخرى الإعلام العربي المستقبلي مدعو إلى أن يصبح شريكا في بناء منظومة عربية أكثر استقرارا وأكثر قابلية لبناء واقعي للدولة بعيدا عن منطلقات الربيع المشوشة. المجتمعات العربية التي يعيش بعضها فترة أقرب إلى التيه، ازعم أنها تنظر إلى تحرك الرياض بفرح وأمل وذلك لان السنوات التي مضت من عمر الربيع العربي انحسرت فيها لحظات الفرح والأمان لدى الإنسان العربي إلى الحدود الدنيا، ويكفي نظرة سريعة على أحوال الناس في العراق وسوريا وليبيا واليمن لنعرف تماما المقصود بالعبارة السابقة، وفي ذات الوقت فالناس في تونس ومصر ولبنان وفي عموم المنطقة بحاجة إلى نوع من الفرح الخاص الذي يعني الثقة بالمستقبل، وتبديد حالة التيه الحالية، عبر تزايد فرص العمل وتدفق الاستثمارات وتعافي الوضع الاقتصادي وزيادة معدلات النمو، والنجاح للسلطات المعنية بشؤون الأمن والنظام في القضاء على بؤر الفوضى والتخريب والإرهاب. الموضوع لا يخلو في بعض أوجهه من انه صورة من صور التدافع في هذا الكون وبفضل عودة أسس يمكن البناء عليها لإعادة اللحمة وبناء منظومات العمل العربي الجماعي وفي نفس الوقت تلافي أخطاء الماضي، بفضل وجود القيادات المُبادرة والأخرى المُرحبة والمتفاعلة وبإعداد مناخات أكثر ملاءمة لعمل تعاوني عربي يقوم على روافد الإعلام الايجابي والتعاون الاقتصادي الفعال والتعاون في الوقوف بحزم ضد التداعيات السلبية لامطار الربيع العربي. مستشار وباحث في الشأن الدولي