قد يواجه الفرد في حياته الاجتماعيَّة العامَّة العديد من الأشخاص مِمَّن يتعمَّدون إثارته واستفزازه بطريقةٍ أو بأخرى، مستخدمين في ذلك أُسلوب طرح الأسئلة عليه بطريقة استفزازيَّة -فيها مافيها- من الفضول، وذلك من باب السؤال عنه والاطمئنان عليه، في حين أنَّ هذا الأسلوب هو في حقيقته نوع من الأساليب التي قد تجمعنا في حياتنا مع أشخاص قد تُسبِّب أسئلتهم لنا حرجاً كبيراً أو إساءة مُتعمَّدة، ومثل هؤلاء يعمدون إلى طرح أسئلتهم بشكلٍ قد يبدو بريئاً للوهلة الأولى، بيد أنَّه في حقيقته مليئاً بالأساليب الملتوية التي يهدفون من ورائها إلى معرفة الأمور التي استجدت في حياتنا وردود أفعالنا تجاه قضيةٍ ما، فتجدهم حينها يسألون عن أمور شخصيَّة رُبَّما كانوا يعرفون إجاباتها مُسبقاً، لكنهم حينها يرمون إلى معرفة انطباعنا الشخصي عنها بطريقة غير مباشرة. وتبقى طريقة طرح الأسئلة إحدى فنون الحديث وواحدة من مهارات الاتصال مع الآخرين التي لابُدَّ أن نتقنها، في الوقت الذي يجب علينا فيه أن نلتزم الصمت حيال بعض الأمور التي لا يمكن الخوض فيها متى ما كنّا نعلم مسبقاً أبعادها وتفاصيلها، أو أنَّها لا تعني لنا سوى الرغبة في إيذاء الآخرين وجرح مشاعرهم. ويبقى السؤال المطروح هنا عن جدوى طرح أسئلةً على الآخرين نعلم إجاباتها مُسبقاً، هل هي الرغبة في إحراجهم؟ أم إيذاء مشاعرهم؟، أم أنَّها من باب الشماتة بهم؟. فضول نسائي وقالت "عفاف خالد" -موظفة- يوجد حولي العديد من الأشخاص الذين يحاولون استفزازي بأسئلة يعلمون جيداً أنَّها مزعجة لي أو تمس جوانب مهمة من حياتي الخاصَّة، ومع ذلك فإنَّهم يُصرون على طرحها وكأنَّهم إنَّما يجدون في ذلك مُتعةً لا تماثلها مُتعة، لافتةً إلى أنَّ احدى شقيقاتها وقعت في مُشكلةٍ ما في جهة عملها أدَّت إلى إيقافها عن العمل عدَّة أيَّام، مُوضحةً أنَّه رُغم أنَّها تعمل في شركة أخرى بعيدة عن الشركة التي تعمل بها شقيقتها إلاَّ أنَّ بعض زميلاتها يسألنها بين الحين والآخر عن شقيقتها وعن أحوالها وعمَّا إذا كانت سعيدةً ومرتاحةً في عملها؟، مُبيِّنةً أنَّهنَّ يحاولن عبر طرح هذه الأسئلة معرفة مصير المشكلة التي وقعت لشقيقتها ولكن بطريقة غير مباشرة. وأضافت أنَّها كُلَّما حاولت أن تتهرَّب عن الإجابة ووضع حد ونهاية مناسبة للموضوع فإنَّ إحداهُنَّ تحاول إعاقة ذلك بطرح أسئلةٍ مُباشرة هذه المرَّة في محاولةٍ منها للحصول على إجابات مناسبة لأسئلتها تلك، إلى جانب محاولتها إيهام الحاضرات أنَّها ذهبت في مهمة إلى الشركة التي تعمل فيها شقيقتها فلم ترها هناك، مُشيرةً إلى أنَّ طرح الأسئلة بهذه الطريقة المُزعجة بطريقة غير مباشرة قد يُسبِّب الحرج للمُتلقِّي، وخاصَّة عندما لاتكون لديه الرغبة في إطلاع الآخرين على بعض أموره الخاصَّة. ولفتت إلى أنَّ هذا السلوك الذي يتسم بالفضول الشديد يكون بشكلٍ أكبر لدى العديد من النساء، مُضيفةً أنَّه يجعل التواصل معهن مملاً، وخاصَّةً حينما تتعمَّد إحداهنَّ إيذاء مشاعر غيرها ومضايقته بطرح أسئلة تهدف من ورائها إلى معرفة بعض التفاصيل الخاصَّة في حياته، مُشيرةً إلى أنَّ هذا الأسلوب يأتي إمَّا من باب الفضول أو الرغبة في إحراج الآخرين. أسلوب لاإنساني وانتقدت "سلمى عيد" -ربَّة منزل- طرح هذا النوع من الأسئلة، مُضيفةً أنَّه يُعدُّ من وجهة نظرها أسلوباً لا إنسانيا، كما أنَّه يُسبِّب كثيراً من الحرج للآخرين، ويؤذي مشاعرهم بشكلٍ كبير، مُشيرةً إلى وجود من يُدخلهم هذا الأسلوب في حالات شديدة من الحزن والضيق والامتعاظ؛ بسبب طرح هذه الأسئلة بشكلٍ مُبالغٍ فيه، خاصَّةً حينما تتعلَّق الأسئلة بذكرى مؤلمة أو بموقف ترك وراءه الكثير من الأسى والألم والحزن لصاحبه. واستشهدت في هذا الشأن بقصة حدثت لصديقتها مع إحدى جاراتها جعلتها تشعر بألمٍ كبيرٍ جداً من أجلها، مُضيفةً أنَّه كان لصديقتها أبناء أخٍ تعرَّضوا لعنفٍ أُسري من قبل والدهم، إذ خلَّف لهم هذا العنف مشكلاتٍ أُسريَّة مع بقيَّة أفراد العائلة، مُوضحةً أنَّ صديقتها اضطرت إلى اصطحاب أبناء أخيها إلى منزلها؛ من أجل حمايتهم من أبيهم، مُشيرةً إلى أنَّ الجارة بادرت صديقتها بسؤالها عن صحتها وعن أحوالها قبل أن تسألها عن عدم مجيء أبناء أخيها إلى منزل جدتهم، وذلك رُغم علمها المُسبق بما حدث لهم مع أبيهم. وأضافت أنَّ سؤال الجارة بهذه الطريقة تسبَّب بإحراج صديقتها، خاصَّةً عندما فاجأتها بسؤالٍ آخر تستفسر فيه عن عدم مُكوثهم في منزل أبيهم؟، لافتةً إلى أنَّها لم تكف عن طرح المزيد من الأسئلة المُحرجة عن هذا الموضوع رُغم علمها بتفاصيله وأبعاده، مُشيرةً إلى أنَّه لم يقطع مسار هذه الأسئلة إلاَّ خروج صديقتها من المجلس الذي كان يجمعهم سويَّةً برفقة بعض الصديقات المُقرَّبات وغيرهنَّ من النساء القادمات من خارج المدينة، مُوضحةً أنَّ صديقتها عاشت بعد ذلك لحظات عصيبة ودخلت في نوبة بكاء بمجرَّد أن غادرت المكان. وبيَّنت أنَّ هناك من يطرح الأسئلة المؤذية والمحرجة بطريقة فيها من الفضول الشيء الكثير، مُضيفةً أنَّ هؤلاء قد لايُدركون أنَّ طرح هذه الأسئلة كفيل بجرح مشاعر الآخرين وإلحاق الأذى بهم، بل رُبَّما أدخلهم ذلك في حالة من الحزن الشديد وأثَّر عليهم بشكلٍ سلبي، مُشيرةً إلى أنَّ العديد من أفراد المُجتمع -للأسف- يتصفون بالفضول الشديد ولا يُحسنون طرح الأسئلة بأسلوب مُناسب لاينتج عنه إلحاق الضرر بالآخرين أو إيذاء مشاعرهم. فضول غير مُبرَّر وأكَّدت "منال الصومالي" -أخصائيَّة اجتماعيَّة في مستشفى الملك فهد بجدة- على أنَّ هناك من يطرحون أسئلةً على الغير وهم يعرفون إجاباتها مُسبقاً، مُضيفةً أنَّ هذا الأسلوب يُعدُّ نوعاً من الفضول غير المُبرَّر، إلى جانب الرغبة بمعرفة المزيد أو انطباع الشخص الذي يدور حوله السؤال وماهيَّة موقفه من المشكلة التي يدور حولها السؤال، مُشيرةً إلى أنَّ ذلك عبارة عن سلوكيات سيئة مُكتسبة من البيئة التي تربَّى فيها الفرد، لافتةً إلى أنَّ هؤلاء الأفراد غالباً مايتعلمون هذا السلوك من الوالدين والأسرة. وأضافت أنَّه رُغم أنَّ العديد مِمَّن يطرحون مثل هذه الأسئلة يوحون لغيرهم أنَّهم يقصدون من ورائها الاطمئنان عليهم، إلاَّ أنَّ الحقيقة تختلف عن ذلك، مُشيرةً إلى أنَّ المُشكلة ليست في طريقة طرح السؤال، بل في طريقة اللوم حينما يمتنع الطرف الثاني عن الإجابة ويحاول أن يتهرَّب من الرد على الأسئلة، إذ إنَّ من يطرح السؤال هنا قد يشعر بالاستفزاز، وقد يحاول أن يُلح على تكرار السؤال بشكل أو بآخر في مواقف أخرى. وشدَّدت على ضرورة اهتمام الأبوين بتعويد أبنائهم منذ الصغر على عدم السؤال عمَّا لايعنيهم، وأن يزودونهم بالطرق المُثلى للحديث مع الآخرين وعلى أسلوب الحوار الهادف في إطارٍ من الخُلق الحسن والاحترام المُتبادل، وأن يحرصوا أيضاً على جعل هذا الأسلوب من أساسيَّات التربية، مؤكِّدةً على أنَّ هذه المهارة هي إحدى مهارات الاتصال التي لابُدَّ أن يحرص الشخص على تعلُّمها، مُشيرةً إلى أهمية أن يكون هناك احترام لحريَّة الآخرين وخصوصيَّاتهم. وأشارت إلى أنَّ الأسلوب الأمثل للتعاطي مع من يطرح أسئلةً مُحرجةً هو يعلم إجاباتها مُسبقاً يعتمد في المقام الأول على نوع شخصيَّته، مُضيفةً أنَّ هناك من يُكتفى معه بالتلميح، وهناك من لابُدَّ من مواجهته والتحدُّث معه بشكلٍ واضحٍ وصريح؛ لأنَّ في بعض الأسئلة خدشا لكرامة من يُوجَّه إليه السؤال، مُشيرةً إلى أنَّه من أهم الأساليب الجيدة لعلاج مثل هذه الشخصيَّة الردَّ على السؤال بسؤالٍ مثله؛ من أجل أن يشعر بالحرج، وبالتالي عدم العودة لطرح هذه الأسئلة في المُستقبل.