×
محافظة مكة المكرمة

إعفاء مديري مستشفيي الملك عبدالعزيز و «النفسية» بجدة

صورة الخبر

من البداية، ليس من حق أحد أن يتدخل بيني وبين جدتي ــ رحمها الله ــ فأنا وهي عشنا قصة حنان رائعة إلى الدقيقة الأخيرة من حياتها. وبالتالي وفروا نصائحكم وفتاواكم، أو دفاعاتكم عنها، لأنفسكم. كان حجاب جدتي ليس حجابا أو نقابا بالمعنى الحرفي لحجاب أو نقاب اليوم، أي ذلك الذي يخفي ملامحها بالكامل أو يغطيها إلى درجة أنك لا ترى جمال (الحنا) على جبينها وفي كفيها. لم تكن أبدا تظهر كقطعة سوداء من رأسها إلى أخمص قدميها كما هي بعض اختراعات اليوم، بل كانت حفية بإطلالتها وثبات (سِواكها) في يدها، وتلك الابتسامة الطفيفة اللذيذة التي تمنحها لأحفادها. كانت مثل كل الجدات الذكيات بالفطرة تفهم متغيرات العصر وشروطه وظروفه، حتى أنها تجد دائما أعذارا للبنات المراهقات اللواتي يفتحن بعض أبواب الخروج عن المألوف، أو يتعلمن من صندوق التلفزيون ــ الحديث آنذاك ــ كيف تلبس هند رستم أو فاتن حمامة. لم يكن للتشدد طريق إلى حياتها وبهجة حضورها وأناقة وبساطة ثوبها أينما حلت وارتحلت. وكانت في حضور الأقارب من أبناء العمومة وغيرهم تجلس وتتحدث بكل أريحية، حيث لا يخطر ببالها قط ما يخطر ببال (الصحوة) من أن غير المحارم شياطين وذئاب وعقارب على طول الخط وفي أي مكان. وعيها العادي حصنها ضد الشكوك وسوء النية. ولم يكن للتنطع سبيل إلى ذهنها أو تصرفاتها، أو علاقتها بربها الذي يعرف وحده عدد ركعاتها وسجداتها اليومية لوجهه الكريم. ولذلك أجزم أنه لو بقي التدين على ما عرفته من جدتي وجيلها ــ رجالا ونساء ــ ما وصلنا إلى هذه الحالة من إقفال حنفيات الاختلاف وغلق مسارات التعدد والتمايز، حتى في مسألة الحجاب، بين فقه وفقه، وقوم وقوم، ومنطقة ومنطقة، وعادات وعادات. بل أزعم أن صفاء نية ذلك الزمان الجميل والمستنير فطريا ستوصلنا، لولا ما اعترضها من عصي التشدد والتنطع، إلى حالة فكرية وتنموية تليق بنا ونستحقها في بلد توفرت له كل أسباب التقدم والنجاح. الآن، أريد استعادة صورة جدتي في ابنتي، لكنني أحارب لكي لا أتمكن من هذه الاستعادة المشروعة والطبيعية؛ لأن من يقودون المشهد الاجتماعي لا يقبلون بغير ما يرون، ويفصلون على مقاسك ما يناسب مقاساتهم. وإذا قلت لهم من أين تأتون بهذه القياسات الغريبة، قالوا: أنت تحارب الدين وتسعى لتغريب نساء المسلمين. ألم تكن جدتي وجداتهم وأجدادي وأجدادهم من أهل الدين الذي يقصر دونه كل متنطع؟! أو لم يكونوا يقرأون القرآن ويصلون على النبي ويقومون الليل؟! إذن، من أنتم ومن أين جئتم؟!. نقلا عن عكاظ