لندن ـ محمد رُضا * في مطلع الحلقة الـ17 من مسلسل «خيبر»، تدور رحى معركة نرى فيها أحد المشركين وهو يواجه علي بن أبي طالب. طبعا ليس الوارد هنا عرض علي (رضي الله عنه)، لذلك فإن ما يظهر منه هو سيفه الشهير ذو الفقار بنصله المشقوق عند رأسه. للمشرك وجه مميز فهو يحمل جرحا غائرا فوق جبهته من الناحية اليسرى يمتد فوق عينه إلى خده. لعلها ضربة سيف سابقة لم يندمل أثرها. وإذ يحمل على علي يخسر سيفه في الضربة الأولى. لقطة لسيف علي وهو يرفع سيف المقاتل المعني ويرميه إليه ليدافع عن نفسه. لكن ما إن يفعل حتى يضرب سيف علي ساق المقاتل فيبترها. لقطة إلى وجه المقاتل وهو يصرخ بالألم.. كل هذا جيد ومقبول، لكن لماذا انتقل الجرح من الجهة اليسرى من الوجه إلى الجهة اليمنى؟ * «خيبر» (دبي) هو المسلسل الديني شبه الوحيد هذا الموسم. يتحدث، كما يمكن التكهن من عنوانه، عن الموقعة الشهيرة بين المسلمين والمشركين واليهود. ويعود، بالضرورة، إلى ما يمهد به المواجهات والمعارك (ومن بينها معركة الخندق على أبواب يثرب) فيقدم معظم الشخصيات التي سنراها لاحقا ويحيط بما كان عليه وضع الإسلام في ذلك الحين، وموقف اليهود منه، كما محاولات مشركي قريش النيل من النبي محمد (صلى الله عليه وسلم)، ودعوته بالتعاون مع اليهود الذين يصفهم المسلسل بالحيلة والخداع أكثر من مرة، لكن من بعد أن يقدم شخصيات يهودية ارتاحت لظهور محمد، وأيقنت أنه هو النبي الذي ورد الحديث عن قدومه في التوراة. * ككل مسلسل تاريخي، من الضروري لـ«خيبر»، الذي يخرجه محمد عزيزية، أن يسبر الأحداث على نحو بانورامي، مما يعرضه لبعض التكرار في المواقف ليس فقط من حلقة لأخرى، بل لمواقف سبق لمسلسلات أخرى أن عرضتها. لكنها المرة الأولى، على أي حال، الذي يخصص مسلسل رمضاني (أو غير رمضاني) الحقبة التي دارت قبل وخلال وبعد موقعة خيبر. يلفت فيه تفاوت مستوى التمثيل حسب قدرة كل ممثل على التعامل مع إدارة لا يبدو أنها طلبت منهم أكثر من تأدية النص. هذا يخلق برودة أو فتورا يسود الكثير من الحلقات على الرغم من أنها تعيد رصف العلاقة بين المسلمين واليهود في ذلك الحين. فتورا ناتجا عن حقيقة أن غياب المنحى الإبداعي للإلقاء له علاقة بعدم وجود مطالب فنية محددة من معظم الممثلين المشاركين. أولئك الذين في المقدمة يلقون حواراتهم، والذين في خلفية المشاهد (حرس وفرسان ومشاة وسواهم) يتصرّفون ميكانيكيا، أو لا يتصرفون على الإطلاق. * يلفت فيه أيضا أن الكتابة ملمة بالتاريخ من حيث وقائعه وأحداثه وتباين شخصياته، وأن الدراما التي تثمر تلك الكتابة تنجح في شحذ اهتمام المشاهد إذا ما كان من هواة المسلسلات التاريخية والإسلامية. فضلا عن هذا المشاهد، لا يوجد ما يؤسس لانتشار أوسع على غرار ما حدث مع مسلسل «عمر» في العام الماضي، حيث كان النجاح حليف ذلك العمل، انطلاقا من كونه قدم الخليفة عمر بن الخطاب (رضي الله عنه) بالصورة لأول مرة، مثيرا الإعجاب والاستهجان والتأييد والمعارضة في وقت واحد. هذه المرة، المحور الذي كان يمكن لمسلسل «خيبر» أن يرتكز عليه لتوسيع دائرة مشاهديه هو موقف اليهود من الإسلام. لكن ولأسباب وظروف غير خافية، كان عليه أن يقدم على ذلك بحذر، فآخر ما يريده هو أن يوصم بالعنصرية أو بإثارة الضغائن أو اللعب بالمشاعر العاطفية في وقت تسود فيه العاطفة ويغيب العقل عن الكثير من تصرّفاتنا وأفعالنا. * هذا لم يمنع بعض من تناول هذا المسلسل من القول إنه مسلسل معاد لليهود، في مواجهة آخرين قالوا إنه يفتقر إلى الجرأة والحسم في التصدي لموضوع دور اليهود في الإسلام. الواقع أنه ليس في وظائف أي عمل فني أن يكون منبرا سياسيا. يستطيع أن يعكس وضعا سياسيا أو أن يعبر عن رأي في فحواه سياسي، لكنه إذا ما تحولت المناسبة إلى خطاب في هذا الشأن أو ذاك، تحول إلى ركام من الصور أو الكلمات التي تفقد معناها لأنها، ككل نص أو عمل فني، تحتاج إلى فنون الصياغة وأساليب التعامل الراقي مع الموضوع لأجل إنجاحه. هذا متوفر، على الرغم من الأخطاء المذكورة وسواها، في «خيبر». * من يراجع حال المسلسلات الخليجية قبل سنوات قليلة سيدرك الفارق الكبير الذي بينها وبين بعض مسلسلات اليوم. الواقع أن مسلسل «القياضة» (سما دبي) مؤشر على التقدم الذي حدث في السنوات الخمس الأخيرة على الأقل. * هذا مسلسل درامي تقع أحداثه في قرية إماراتية ساحلية مع لفيف من الشخصيات التي تمر كلها تحت معاناة عائلية تجعل شخصياتها، خلال الحلقات الـ15 الأولى على الأقل، في بحث مستمر عن الخروج من أزماتها ذات الطابع العاطفي غالبا. طبعا البيئة التي تدور أحداث المسلسل فيها تعكس الواقع الاجتماعي على نحو لا يحتاج إلى تبرير. الشخصيات حقيقية الوقع والتمثيل جيد والإخراج (قام به سلوم حداد) يميل للواقعية. هناك جماليات المكان التي لا تعني أن عليه أن يكون «جميلا» لذاته، بل يكفيه أنه ملتحم بالواقع ليكون ثراء للعين. بعض التصوير الليلي غير ناجح (شغل الديجيتال)، لكن الألوان الثرية تبرز بوضوح فيما عدا ذلك. التنفيذ إجمالا فوق المتوسط، باستثناء خانة الحوار إذ تبدو كما لو كانت مصنوعة لكي تفسر ما تم تفسيره مرة بعد أخرى. ربما هذا من سمات الواقع أيضا، لكن الأرجح أن يكون ضحية لمتطلـبات العمل ذي الحلقات المستفيضة.