غالبا ما يتردد الأميركيون في تحديد سقف زمني للحرب على «داعش»، ولهم الحق في ذلك، لأن من غير الممكن التحكم في المدد المفترضة إجمالا، بسبب تعدد أبعاد الصراع. ويأتي البعدان العسكري والنفسي في مقدمة الأبعاد وأهمها، ثم الأبعاد الاقتصادية والأمنية والفكرية. ومن الممكن تحديد مدد زمنية معقولة للعمل العسكري الذي يمكن كشف عوامله المباشرة في كل مناطق العمليات، وهو مثار خلاف ونقاش حول المدة المطلوبة لإنجازه، بين ما يرى الأميركيون بأنه قد يستغرق 3 سنوات أو أكثر كثيرا، وبين من يستغرب طول مدة صراع مع تنظيم إرهابي يشتبك في عمليات قتالية بطريقة تساعد على استنزافه وتدميره خلال فترة وجيزة. يمكن فرض سلسلة من الإجراءات والتدابير لتجفيف نسبة كبيرة من موارد «داعش» الخارجية على المديين المتوسط والبعيد، إلا أن الموارد المتأتية من المناطق الواقعة تحت سيطرته تبقى أكثر صعوبة، لأنها تلامس حياة المواطنين الأبرياء المبتلين بوجوده، ومن ضمنها فرضه الجبابة على أصحاب المصالح والموظفين الذين يتقاضون رواتبهم من الحكومة المركزية، وكذلك سيطرته على ممتلكات مئات آلاف المهجرين والنازحين. وتبقى الإجراءات ضرورية تجاه المنشآت النفطية التي تدر عليه أموالا ضخمة، كما أن الفساد المالي المحلي يشكل مصدرا مهما لتعزيز الإرهاب بشكل مباشر أو غير مباشر، من خلال تشعب الطروحات التي تتسبب في غياب المواقف الصارمة المطلوبة في معالجة القضايا الأساسية المرتبطة بالأمن. وابتداء بالبعد العسكري، فإن انتشار قوات «داعش» لم يعد خافيا عن أجهزة الاستخبارات، ويأخذ أشكالا قريبة من الانتشار العسكري النظامي نسبيا، خصوصا بعد أن حصل على معدات مدرعة وقطع مدفعية، واضطراره إلى مسك خطوط حصينة معلومة وسواتر ترابية مكشوفة ونقاط رصد ثابتة. وبما أن عملية المقارنة معلومة وواضحة وفق حسابات عسكرية، فإن تحديد المدد اللازمة لكل مرحلة من مراحل المجابهة العسكرية يفترض أن يكون ممكنا من دون مبالغات أو أخطاء، ومن دون الحاجة إلى خطوات من التردد تؤدي إلى تعقيد التخطيط وإطالة زمن الأزمة. وإلى جانب العمل العسكري لا بد من بناء استراتيجية للحرب النفسية تعتمد على الحيلولة دون نشر المعلومات الدقيقة عن التضحيات البشرية والمادية في العمليات القتالية أو نتيجة الهجمات الإرهابية، واعتبارها من الأسرار المرحلية، لمنع «الدواعش» من معرفة مؤديات سير الحرب على الطرف المقابل، علما بأن المصادر العلنية تأخذ حيزا مهما من نشاطات أجهزة الاستخبارات وأطراف الحرب على مختلف الجبهات. وإذا كان العمل العسكري هو البعد المباشر القريب فإن العمل الأمني يبدأ من المراحل الأولى من الصراع ولا ينتهي حتى بنهاية الصراع، وهذا يتطلب إحداث اختراقات عميقة ومتابعة مستمرة لكل ما يتطلب الشك مع تركيز التوجهات للمحافظة على الموارد ولضمان تحقيق النتائج المطلوبة، ومن الخطأ إعادة هيكلة وإلغاء مفاصل المتابعة أو إهمالها لعقود مقبلة، لأن بذور الإرهاب قد انتشرت على نطاق واسع في مجتمعات معلومة، وبدأ تأثيرها يمتد إلى مجتمعات انتقلت إليها دواعي القلق. ويبقى التعاون الدولي على مستويات أجهزة الاستخبارات والمؤسسات الرسمية ضروريا لتبادل المعلومات وتتبع تحركات الأهداف، وهو ما يتطلب مساعدة الدول الفقيرة والأقل تطورا في بناء أجهزتها الخاصة، لما تشكل من محطات حاسمة في رصد التحركات الابتدائية والتحضيرات الأولية للنشاطات الإرهابية. وإذا كانت الأبعاد العسكرية والأمنية والاقتصادية والنفسية بمثابة الإطار العام المباشر للحرب، فإن البعد الفكري يمثل منبع المشكلة ومصدر ديمومتها، وهذا يتطلب حزمة كبيرة من الإجراءات التربوية والرقابية والثقافية، ويستحيل تحقيق النجاحات اللازمة من دون زيادة الوعي، ونشر الثقافة العامة، ومنع الشعوذة والخزعبلات، وردع عمليات الإغواء والدجل، ومراقبة القنوات الفضائية والمنشورات والمدارس من دون استثناء، وتحصين الشباب من التبعية، ومنع الحلقات الدراسية المغلقة، وتحجيم دور المدارس التي تعشش فيها عمليات التحريض والشحن العقائدي والتأثير على مشاعر الشباب، ومنع المظاهر المتخلفة التي لا ترتاح إليها النفوس الواعية. وفي الدول التي تدور فيها حروب مباشرة كما هي الحال في العراق، فإن المحافظة على هيكلية الدولة ووحدتها ومنع التشرذم المناطقي والعرقي والطائفي، وتجنب التحريض على الإدارة المركزية، ورفض التعاون مع أي شكل من أشكال إضعاف سلطة الحكومة المركزية، وإعطاء التعامل العسكري والأمني أسبقية عالية، عوامل تشكل العمود الفقري لدحر الإرهاب.