كشفت «وزارة الصحة» عن معاناة حقيقية في توظيف السعوديين أصحاب الكفاءة الماهرة، وبرّرت الوزارة تلك المعاناة بمواجهتها تحديًا كبيرًا يتمثل في عدم كفاية القوى العاملة في التخصصات الدقيقة، في ظل التوسع في إنشاء وافتتاح مرافق صحية مختلفة لا يواجهه تخريج أعداد كافية من الخريجين الجدد من المؤسسات التعليمية المختلفة، ممّا يؤثر على معدلات السعودة. كما اعترفت الوزارة بضعف الرواتب المُـتاحة من خلال الكادر الصحي والتي لا تمثّل حافزًا لاستقطاب الكفاءات المطلوبة (صحيفة مكة، 28 صفر 1436هـ). وهنا لي عدة ملحوظات: أولاً: إن اعتراف وزارة الصحة بما تقدّم أمر جيد، ويُحسب لصالحها، فالشفافية مطلوبة، وعرض المشكلات العالقة بصراحة أمر جيد. ثانيًا: العوامل التي أوضحتها الوزارة، بوصفها طاردة للكفاءات ليست جديدة، فضعف الرواتب والحوافز المادية والمعنوية لأصحاب الكفاءات والتخصصات النادرة يكاد يكون نظامًا متَّبعًا في أغلب القطاعات الصحية، وقد نبّه على ذلك عدد من كُتّاب الصُّحف، والبرامج الحِوارية، والتقارير الإخبارية، كما انتقد رئيس لجنة الشؤون الصحية بمجلس الشورى الكادر الصحي الجديد الذي «انعكس سلبًا على الأطباء الذين يعملون في المستشفيات المتخصصة، وأجبر عددًا لا بأس به ممّن يحملون تخصصات نادرة إلى البحث عن بدائل، كالعودة إلى التدريس في الجامعات، والتحويل إلى القطاع الخاص، وقلل من عطائهم» (المدينة 4 مارس 2013). ثالثًا: من غير المنطقي أن يمثّل قلة أعداد الخريجين الجدد، وانخفاض كفاءاتهم حاجزًا ضد الاستفادة المُثلى منهم، فوزارة الصحة مسؤولة نظامًا وأدبيًّا عن مُخرَجات عدد من المعاهد الصحية التي من المفترض أن تكون قد أشرفت عليها، والجميع يعلم قضيتهم العالقة منذ سنوات. رابعًا: لا أرى جدوى دعوة الوزارة إلى توسيع فرص الابتعاث الخارجي، وتشجيع ودعم القطاع الخاص للقيام بإنشاء كلّيات للطب، وأخرى للعلوم الصحية، كما جاء في الخبر، فبداية، لنستمع إلى قصص كثير من الأطباء والممارسين الصحيين المتخصصين في تخصصات نادرة، والمؤهلين تأهيلاً عاليًا من جامعات عريقة، وهم يحكون قصصًا أشبه بأفلام الرعب والترهيب، حول مشاعر الإحباط والغُبن التي تلقّفتهم بعد عودتهم من بلدان الابتعاث، نتيجة الإساءة إليهم، وسوء تقديرهم من إداراتهم الطبية، إلى حد اضطرار بعضهم للاستقالة أو الهجرة. خامسًا: ثم ماذا عن أعداد الأطباء السعوديين الذين تزخر بهم المستشفيات المرجعية في القطاعات الطبية العسكرية والتخصصية؟ لماذا لا يتمُّ الاستفادة منهم في مستشفيات الصحة لتحقيق التكامل، وتبادل المنافع بين القطاعات المُختلفة، تحت إشراف «مجلس الخدمات الصحية»، الذي يمثّل جميع القطاعات ومنها الخاص؟!. سادسًا: إن التحدّي الحقيقي للقطاعات الطبية بما فيها وزارة الصحة، هو اجتياز البيروقراطية القاتلة، وتقليص حجم الفساد الإداري، وتكريس أنظمة تسعى لتقدير الكفاءات الحالية وهم كُثُر، وفتح الأبواب للتمايز المهـني، والتنافس الشريف، وتدوير المناصب القيادية، وإنهاء التسلّط الإداري، وتصفية الحسابات الشخصية، والتواضع لإخوانهم الأطباء السعوديين الممارسين واحتوائهم، ففي رأيي ليس هناك شحٌّ حقيقيٌّ في الأعداد، ولا الكفاءات، بل أزمة ثقة، وكسر خواطر، وتقصير مُخجل من الإدارات الطبـية، ومماطلة معيبة لحقوق الممارسين الصحيين وتجريدهم من أدوات نجاحهم، على الرغم من توفر الإمكانيات، ومن الحكمة أن تتبنى الإدارة الجديدة في وزارة الصحة شعار «الطبيب أولاً» للوصول إلى الهدف الأسمى والأهم «المريض أولاً». خاتمة: بعد فراغي من كتابة هذا المقال مباشرة، قرأتُ العنوان التالي في صحيفة الحياة «20 ديسمبر 2014»: (الرياض: «القطط» تحتلُّ مستشفى حكوميًّا.. و»الشؤون الصحية» تُحقـق)!. abkrayem@gmail.com