مَن يُتابع نصُوص الأغَاني، وكَلِمَات وقَصَائِد وأشعَار الشُّعرَاء؛ والمُتشَاعرين والمُتَشعررين، مَن يُتابع كُلّ ذَلك، يَعلم أنَّنا نُمارس أكبَر عَمليّة تَزوير أَدبي في التَّاريخ.. وإليكُم أَمثِلَة عَلى بَعض هَذا التَّزوير: تَجِد شَاعرًا «تَمبلًا» خَالٍ مِن الأحَاسيس والمَشَاعِر، وقَليل الدَّسم في الغَرَام، ومَع ذَلك يَكتب قَصيدة كُلّها أَحَاسيس، وطَافِحَة بالمَشَاعِر، يُوضّح فِيها أنَّه لَا يَنَام اللَّيل بسَبَب الغَرَام، وأنَّ التَّعَب والسَّهَر مُلاصِقَان للنَّوم، بفِعل العِشق الذي أَضنَى بَدنه، وأَدْمَى قَلبه..! قَبل سَنوَات خَرج عَلينا شَاعر بقَصيدة مُطوّلة؛ اسمها «نَاقتي يَا نَاقتي»، وكَأنَّه الشَّاعِر الجَاهِلي «طرفة بن العبد»، الذي كَتَب أجمَل الشِّعر في نَاقته، ولَكن الفَرق بَين «طرفة» وهَذا الشَّاعِر، أنَّ «طرفة» كَانت النَّاقَة دَابّته الحَقيقيّة، في حِين أنَّ صَاحبنا الشَّاعِر كَانت النَّاقَة هي دَابّته المُتخيَّلة، التي تَخيّل أنَّه يَركبها، ويُفَاخر بِهَا بَين النَّاس، مِن بَاب التَّبَاهِي، وإلَّا في الحَقيقَة فهو يَمتطي أفضَل السيّارات الأُوروبيّة..! وقَبل فَترة خَرجَت عَلينا أُغنية يَقول صَاحبها: النَّاقَة وﻻ السيّارة ولَو طوّل المسرَاح الخيمَة وﻻ العمَارة دَامي مَعك مرتَاح تَصوّروا أنَّ بَاحِثًا يَأتي بَعد مئة سَنَة؛ ويَدرس مِثل هَذا النّوع مِن القصَائد، إنَّه سيَظن أنَّنا مُجتمع نَعيش في الخيَام، ونَركب الإبل، وهَذه كَارثة، لأنَّها تُمثّل تَزويرًا حَقيقيًّا للحيَاة الاجتمَاعيّة..! إنَّ الشِّعر العَربي كَان دَائمًا وَثيقة يُعتمد عَليها؛ في درَاسة الحَالَات الاجتمَاعيّة، ولَكنَّنا الآن نُزوّر التَّاريخ، ونَكذب عَلَى الأجيَال؛ مِن خِلال هَذه القصَائد المُهتَرئة..! حَسنًا.. مَاذا بَقي؟! بَقي القَول: يا قوم، كُونُوا مِرآة لعَصرِكُم..!! تويتر: Arfaj1 Arfaj555@yahoo.com