جلست مع أحد الأشخاص وكان الحديث يدور حول المشاريع والأعمال والأفكار التي تقوم بها المنشأة التي يعمل بها هذا الرجل، واللافت للنظر في حديثنا أن كل إيجابية في المنشأة ينسبها له ، وكل إخفاق أو تعثر ينسبها لآخرين، ودائرة هؤلاء الآخرين مكان محتمل لكل العاملين إلا هو ، فصاحبنا عنده قدرة هائلة للتنصل من المسؤولية في حالات الإخفاق ، وهذا مرض خطير أتمنى أن يتماثل للشفاء منه قريباً، وفي مشهد الحياة نرى كثيراً من هذه النماذج، ففي لحظات الانتصار يحضرون، وفي أيام الهزيمة يتوارون . التهرب من المسؤولية حيلة شعورية نمارسها بوعي كثيراً حتى نضحي على ممارستها بدون وعي، وأحمد الأميري له كلام جميل يقول فيه : ( من السهل أن نتفادى مسؤولياتنا، ولكننا لا نستطيع تفادي النتائج المترتبة على ذلك ) ، فالتهرب من المسؤولية هو حيلة على أنفسنا بالدرجة الأولى . عندما تريد أن تحكم على نفسك في هذا الجانب فانظر إلى الفارق بين النوايا والأفعال، فكلما اتسع الهامش بينهما اتسعت رقعة المساءلة، والذين يتقنون تحمل المسؤولية لا تجد في جيوبهم حلوى التبرير . عرّاب فن التهرب من المسؤولية في العالم هو إبليس، ومن يستمع لردوده على شركاء الأمس سيدرك ذلك بسهولة، فهو القائل : ( وما كان لي عليكم من سلطان إلا أن دعوتكم فاستجبتم لي فلا تلوموني ولوموا أنفسكم ) ، فالملامة على غيره في كل أحواله . إذا كان جان جاك روسو يقول : ( لا حرية دون مسؤولية ) فالعكس كذلك صحيح ، فلا مسؤولية دون حرية، والمقيدون لا يستطيعون أن يتحملوا كامل المسؤولية ، فهما قرينان لا ينفكان ، وعلى أولئك الذين يوزعون المسؤوليات أن يدركوا ذلك . نحن كائنات انتقائية في بستان المسؤولية ، ونأخذ من الأشجار ما يناسبنا ونترك ما يزعجنا ، فالورد لنا والشوك لغيرنا، ونبحث عن العسل متى ما أردنا ونتخلى عن النحل متى ما قررنا ، وكما يقول الأديب نجيب محفوظ : ( الرجل هو المسؤول عن كل شيء مادام يريد ذلك ) . القدرات والمواهب مسؤولية عظيمة، ومن لا يحسن توظيفها يجرم في حق نفسه، وعدم تحمل المجتمع مسؤولياته تجاه مواهبك لا يعفيك من الإدانة . لا تتعامل مع المسؤولية في الحياة كما يتعامل البنك بتلك العبارة السوداء التي تقول للعملاء في العقود : ( لا يتحمل البنك أي مسؤولية تجاه ... ) .