(الرواية أحداث وليست لغة) هكذا ببساطة ضربت إحدى الكاتبات الجديدات بأسس لغوية وبلاغية ونقدية من شأنها أن تفيد القارئ وترفع من مستوى قدراته اللغوية حتى لو كان صغيراً في السن، ولكن للطبيبة شيماء الشريف كاتبة رواية (ما بعد الحلم) رأي آخر؛ فهي تقول إنها حين انتهت من كتابة روايتها حذفتها بالكامل وعادت لكتابتها من جديد بأسلوب بسيط حتى يفهمها الجميع حتى من هم في المرحلة الإعدادية! لم اطلع بعد على الرواية المذكورة لكي أحكم على لغتها غير أني واثقة بأن ما يمارسه بعض الكتاب الشباب هذه الفترة هو دعوة مفتوحة للتسطيح الفكري واللغوي فهم يعيشون كذبة كبيرة نتيجة الخدعة التي تمارسها ضدهم دور النشر التي تطبع لهم خمسين نسخة وتوزعها استناداً على الاعلانات المجانية في برامج التواصل الاجتماعي وفجأة تصبح للكتاب الضعيف جدا خمس عشرة طبعة، وهذه بلا شك ارقام خداعة مررت كثيراً من الأخطاء والأساليب التافهة بدلاً من العمل على رفع المستوى. حين كنا صغاراً كنا نقرأ الروايات الأجنبية المترجمة واذا استعصى علينا فهم بعض المفردات سألنا من يكبرنا لنفهم ولنستوعب ولتزيد حصيلتنا اللغوية حين نتعامل مع المعجم للبحث عن معنى كلمة ما. اليوم صارت المعاجم في هواتفهم المحمولة ومع هذا لا يكلفون أنفسهم بالبحث عما يجهلون لأن كل شيء صار يتدنى لمستواهم بدلاً من النهوض بهم إليه!! من قال إن الرواية مجرد أحداث؟!! لو كان الأمر كذلك لصارات أتفه الروايات التي تملأ المكتبات اليوم تزاحم نتاج كبار الكتاب الذين يحرصون على تقديم حكاية تصاغ بأسلوب واضح وبسيط ولكن بلغة راقية وعميقة. (ما كان الرفق في شيء إلا زانه ولا نزع من شيء إلا شانه) هكذا أخبرنا أنس عن رسول الله (صلى الله عليه وسلم) فكيف نوفق بين هذا الرفق المطلوب في حالات كثيرة، وبين الأنظمة الصارمة التي يتقيد بها بعضنا أفراداً ومؤسسات. أحسب أن الأمر مرتبط بالرفق كلما كان ذلك لا يتسبب بضرر بالغ للنظام وليس في كل الحالات بالطبع. وكمثال بسيط انظر لتعامل الموظفين في المطار عندما تتأخر عن الموعد المحدد للطائرة ولكنك تصل قبل أن يقفل الموظف جهازه وقبل أن تقفل أبواب المغادرة ومع ذلك يقف الموظف كسد منيع ضدك ويمنعك من إكمال اجراءاتك وتضطر أن تتوسل لهذا وذاك وفي النهاية تصعد إلى الطائرة وتصل إلى وجهتك. ويحدث أن تتأخر مرة أخرى عن طائرة للخطوط نفسها ولكنك تجد تعاملاً مختلفاً وتلطفاً وعناية من الموظف تقديراً منه لظرفك وتصعد دون منة أو تضخيم للأمر. الفرق في الحالتين بأن الموظف الأول رفيق مترفق بالآخرين، والثاني غليظ يغلظ على الآخرين. كتبت من قبل عن تهافت الناس على الماركات الأصلي منها والتقليد وكأن الحياة لا تستقيم ولا تكتمل إلا بهذا التهافت والاستسلام التام لخطط دور الأزياء ومصانع الحقائب والأحذية ذات البصمة المشهورة. ولكن هذا لا يمنع من طرح الفكرة مرة أخرى بعد ما شاهدته اليوم فإحدى السيدات خرجت برفقة أبنائها لتناول طعام الغداء في مكان ما. وبما أن العباءة تستر العيوب فقد قررت هذه السيدة أن تخرج بالبيجاما التي بدت أطرافها واضحة، ولكنها لم تفرط في حقها الشرعي في الاكتفاء بنوع واحد من الزينة وهي الحقيبة التي يزيد سعرها على عشرة آلاف ريال. عندما رأيتها كان تعليقي الأول والأخير: الحياة شنطة!! (ما لا يدرك كله لا يترك كله أو جله) مقولة جميلة ومؤثرة. نحتاجها كثيراً عندما يحاول المتشائمون أن يثنونا عما نعزم على فعله. ويحتاجها كثيراً أولئك الذين يهبون للمساعدة والعون في أمر ما عاماً كان أو خاصاً فإذا تبين لهم ان الأهداف التي سعوا من أجلها لن تتحقق أو أن عارضاً طرأ يدفعهم للبدء من جديد تراهم سرعان ما يستسلمون وينصرفون عما عزموا عليه، وعن أهداف خابت مساعيهم في الوصول إليها في المرة الأولى. يعنيني هنا تقاعس أولئك الذين يرغبون في استصلاح بعض النفوس. أو معالجة نظرة بعضهم إلى الحياة والتعامل معها أولئك الذين تمتلئ أرواحهم بالسخط على أحوالهم فيتركون كل شيء لأن بعض الشيء لم يتحقق لهم ويميلون إلى تدمير أنفسهم بالتدريج في الوقت الذي يتخلى عنهم من مد لهم يد التوجيه في المرة الاولى فالحديد لا يلين من طرقة واحدة. وبالفعل بعض الحالات الإنسانية الضعيفة جدا والهشة جداً تبدو من الخارج كالحديد الذي يحتاج إلى تسخين فتليين ثم تشكيل. هكذا يكون تأثير المرشد الاجتماعي الذي غاب دوره الفعلي في المدارس والجامعات فتزايدت الأخطاء والانحرافات والسقطات.