لا أدري ما الذي أصاب المجتمع في عصر العولمة وفورة الاتصالات المجتمعية؟!.. فكل من لبس المشلح أو ترسم بالغترة الحمراء أو البيضاء المليئة بالنشاء يصبح مفتياً في عالم الاختلاف الفقهي!.. اليوم نتذكر قرار أعلى سلطة في الوطن بتهذيب الفتاوى، واقتصارها على أعضاء هيئة كبار العلماء؛ لما يحملونه من علم معمق ودقيق، يفصل الخلاف وفق المعطيات الدينية، مع عدم المساس بثوابت الدين والقواعد المنهجية.. في عالمنا اليوم إذا ما أراد الإنسان أن يبرز إعلامياً وجماهيرياً يأخذ من قاعدة (خالف تذكر)، فيبدأ يحشر أنفه مدافعاً عن خطأ مجتمعي أو ديني، القصد منه تزكية الفعل مقابل التجريم المجتمعي وتسفيه العالم، وأنه هو الذي معه الصواب لشق الفتنة وزرع العداوة، وهو يشعر بها أو لا يشعر بها، مع أن الإدراك بفعله أقرب إليه من جهله بضرر مخالفته.. من هذه الرؤية نتعجب أن يخرج علينا من يفتي من الإعلاميين والقانونيين والمحامين وإمام جامع وعاقد أنكحة، وغيرهم، وكأنهم على دراية وعلم كبيرين؟ وهم في النهاية إذا ما تبحرت في علمهم لوجدت أنهم طلاب مدارس، وبعضهم لم يحصل على البكالوريوس؟ هنا يعيش المجتمع المضلل توهاناً كبيراً في عالم التدخلات الفتوية بين هذا وذاك! ولا يدري من يصدق.. فباب العادة فقه أوجد على أساس (توثيق العادة)؛ لأن عادات المجتمع التي لا تخالف القواعد الأساسية للدين يؤخذ بها، ولا يجوز مخالفتها إذا تسببت في لغط أو جدل يصل إلى حد التقاتل.. وتجاوز العادة كأن يبيع الإنسان كيس الهيل بـ 100 ريال والآخرون يبيعون نفس السلعة بـ 50 ريالاً، فإن الأول تجاوز المعقول وما جرت عليه عادة الناس، فيتركونه وينبذونه.. هي ذاتها العادات في الأفعال والأقوال؟ تلك الفتاوى من خلال بعض شاشات التلفزة الخاصة التي سمح أهلها بظهور المنمقين في الملبس وبعض من لديهم حسابات في توتير بها، واستغلوا البروز والشهرة في طبع الذات على جبين المجتمع.. والواجب ردعهم بقوة النظام لحفظ أمن البلد فكرياً وعقائدياً ودينياً، والقطع عليهم من الارتزاق المبطن على حساب ذمم الآخرين وطيبتهم وسذاجة البعض.. هؤلاء قد يكون من بينهم نماذج في العلم والصلاح والرزانة، خاصة ممن لا يقحمون أنوفهم في كل واردة وشاردة.. ومع هذا يسمحون لأنفسهم بالفتيا، وهذا ما لا نريده؟ إن تلك الفتاوى التي يضخمها المشاهير قد (هرمنا) منها ومن غثاء أصحابها بين التفكك والاختلاف على أسس تشهيرية لذات البعض، ممن صنفوا في عالم النسيان.. واستغلوا لغة التواصل الاجتماعي لبث الشهرة الذاتية وإقحام المجتمع في فتاوى يناصرون بها ذوات النفوس الضعيفة التي تود من تعطلها مجتمعياً إحياء الذات لالتفات المجتمع إليها بعد أن نسيها.. فمن إجازة الغناء إلى إباحة الاختلاط وقضايا أخرى كقيادة السيارة، وهم لم يُسأَلوا عنها، بل حشروا الأنوف فيها حتى وصل بنا الأمر إلى تجويز خروج الزوجة بماكياجها على الملأ.. فضلاً عن لغة التراشق بين هؤلاء فيما بينهم، فذاك يرشق الداعية فلاناً، وآخر يقذف فلاناً، وهكذا حالنا منذ سنوات؟! متى يأتي اليوم ويصدر (قرارٌ سيادي) بمنع التجاوزات في الفتوى، وكذلك مناصرة فلان (أو فلانة) على اتباعه مسلكاً يخالف الشرع أو العادات، ومعاقبة من يتجاوز الفتوى في أي وسيلة خاصة أو عامة، ويحزم عليه بغلظة التأديب كائناً من كان؛ حتى يرتاح المجتمع من غثاء السيل، ومن بعض هؤلاء ممن حرضوا أناساً على أناس، وهذا ليس في الدين بشيء؟ أتمنى وغيري كثيرون أن لا نجد في أي لغة تواصل فتوى أو تلميحاً لفتوى من أي شخص ما لم يكن مصدره هيئة كبار العلماء، أو ممن يجوز له الفتوى.. كفانا عبثاً بذمم الآخرين.. حمى الله الوطن وقادته وعلماءه..