أذيع قبل أيام أن ذلك النزاع المرير بين الولايات المتحدة وكوبا الذي استغرق نحو 50 عاما قد انتهى باتفاقية سلمية بين البلدين تضمن إطلاق سراح الأميركيين والمعارضين الكوبيين المعتقلين في هافانا من جهة ورفع الحصار وعودة العلاقات الاقتصادية من الجهة الثانية. تم الوصول لهذا الاتفاق المستحيل بين دولة بروتستانتية رأسمالية وأخرى كاثوليكية شيوعية بفضل الجهود التي بذلها البابا فرنسيس ومن حوله من الكرادلة في مفاوضات تجاوزت 12 شهرا. والبرنامج البابوي حاشد الآن بالمهمات الإصلاحية والتصالحية الأخرى التي ينوي الاضطلاع بها. ما الذي ينبغي أن يعنينا من ذلك؟ قامت بهذا الدور المرجعية الكاثوليكية في الفاتيكان، ضمن تقاليدها الكنسية في السعي من أجل السلام والتفاهم. وهو أمر أثار في نفسي هذا السؤال، لماذا لا تقوم مرجعياتنا الإسلامية بمثل هذا الدور فتتوصل لإنهاء النزاع والتقاتل في شتى جهات عالمنا الإسلامي، كاليمن وليبيا والعراق وأفغانستان. نحن نقلد الغربيين في كل شيء، فلماذا لا نقلدهم بمثل هذا، أم يا ترى، نقلدهم فقط بالسفاسف والسلبيات؟ هناك الكثير من الجوانب الشريرة والسلبية في عالمنا الإسلامي، كالإرهاب والفساد. لم لا تلعب المؤسسات الدينية دورا قويا في معالجتها؟ هناك الكثير من الأمور التي تقتضي التدخل لإصلاحها. مما عزز شأفة «داعش» التفرقة الطائفية التي اجتاحت العراق. طالما شكا أبناء السنة والطوائف الأخرى من التمييز ضدهم في الوظائف والدخول للجامعات والبعثات. يقول المسؤولون هذا غير صحيح. ولكنه صحيح بدليل اضطرار البعض للتشيع. آل القشطيني عائلة سنية عريقة في بغداد. سمعت مؤخرا عمن سموا أنفسهم «القشطيني الحسيني!» وادعوا بأنهم قشطينيون شيعة! كل من يحمل اسم «عمر» أخذ يعاني بسبب اسمه، يضطهد ويهان ويتعرض للاعتداء لمجرد اسمه. تقدم بعضهم للمحاكم لتغيير اسمه هذا بحجة أن «عمر» اسم معيب لا يصح استعماله! تقتضي هذه الممارسات السوقية والغوغائية تدخلا قياديا من المؤسسات والزعامات الدينية. أسهل وسيلة مثلا أن يعمد الزعماء وعلماء الدين في العراق وإيران إلى تسمية أبنائهم بأسماء عمر أو عثمان لإعطاء درس عملي للغوغاء والجهلة. كما يمكن تعميق هذا الإصلاح لمحاربة الحزازات الطائفية بالزواج المختلط، وهو في الواقع ما قام به بعض الشبان المتنورين في اختيار زوجات من الطائفة الأخرى جماعيا. معظم مؤسساتنا الدينية مشغولة بكيفيات الطقوس وممارساتها والتشبث بالماضي والتعرض لمعتقدات الآخرين وممارساتهم بدلا من السعي لتجاوز هذه الفوارق وطي صفحات الماضي أملا في تعميق الوحدة الوطنية والتقاء المعتقدات والقوميات والخروج من جهالات القرون الوسطى. العداء والتمييز الطائفي من أهم أسباب المنازعات الوطنية والحروب الأهلية كما نجد في سوريا والعراق وكما جرى في أوروبا في القرون الوسطى. ويلقي ذلك بمسؤوليات خطيرة على عاتق المؤسسات الدينية وقادتها لتوجيه الجماهير بعيدا عن التنازع الطائفي الكريه والقتال بدلا من تضليلهم وإشغالهم بتبعات وأحداث القرون المندثرة.