أسكتوا مؤججي الطائفية بقلم الكاتب الصحفى/ د.محمد سالم الغامدى على ما يبدو أن الأغلبية العظمى من أفراد مجتمعنا قد أصابتهم صدمة ثقافية نتيجة لذلك السيل العارم من الثورة التقنية والإعلامية؛ وخاصة ذات العلاقة بالإنترنت وملحقاتها، والقنوات الفضائية التي فتحت كافة الآفاق الفكرية والثقافية أمام كل فرد من أفراده، بعد أن عاشوا قبلها حالة زمنية ممتدة كثيرًا من الانغلاق الثقافي على العالم المحيط بهم، مما ترتب عليه -في تلك المرحلة- سهولة قولبة الفكر والثقافة المجتمعية، حيث تم تحديد المسارب الفكرية والثقافية بكل دقة وحزم ممّن يريدون ذلك، وساهم في تيسير ذلك انعدام البدائل المتاحة أمام أفراد المجتمع، فعلى سبيل المثال كان مجتمعنا في تلك المرحلة وسطي الفكر، متزن التعامل، تحكمه المحبة والتواد، والتكافل والتراحم بين أفراده وطبقاته وفئاته، لا فرق بين هذا وذاك، ما عدا بعض الممارسات المناطقية التي كانت بارزة بصورة غير مقلقة، واستمر ذلك الحال حتى بدأت مرحلة الانفتاح التي يفترض أن تلقي بظلالها الإيجابية على كافة السلوكيات والمعاملات المجتمعية، لكن سيلها العرم والمتسارع في تدفقه أفقد المجتمع الكثير من توازنه؛ نتيجة لسوء تلقي أفراده وسوء استثمارهم لتلك المخرجات التقنية الإعلامية، حيث أوجدت داخل المجتمع بعض التقسيمات الطائفية والمذهبية والفئوية وحتى الطبقية بين أفراده، وتنامت عملية التقاذف بتلك المسميات في مجتمعنا، كمثال: هذا سني وهذا شيعي، وهذا جهادي وهذا صوفي، وهذا ليبرالي وهذا علماني، ولا يزال التقسيم جاريًا، مما حدا بمُؤجِّجي تلك التقسيمات المتباينة من الحاسدين والحاقدين من داخل الوطن وخارجه إلى استثمار تلك الثورة وذلك الجهل استثمارًا فاعلًا، فكان البدء بتأجيج الممارسات الإقصائية من قبل تلك الأطراف في محاولة لزعزعة الأمن والاستقرار الذي تنعم به بلادنا والحمد لله منذ عقود، وبدأت تلك الحالة من التنافر بين كافة الطوائف تبرز بمساهمة بعض القنوات الفضائية وبرامج التواصل الاجتماعي ومواقع الإنترنت، وها نحن في هذه الأيام نعيش مرحلة ذروتها، وهي في غاية الخطورة، ويقيني أن تلك الحالة ستختفي إذا ما ضربت الجهات المعنية بيدٍ من حديد كل من يُؤجِّج تلك التقسيمات ويدعمها. نأمل من وزارة التربية والتعليم إعادة النظر في بعض مقرراتها الدراسية ومناشطها غير الصفية، والأمل كذلك في وزارة الثقافة والإعلام أن تُكثِّف من دورها التوعوي المتوازن في الطرح، وكذلك وزارة الأوقاف والشؤون الإسلامية عليها دور توعوي كبير من خلال خُطَب منابر المساجد ومناشط الجمعيات ذات العلاقة، وكم أتمنى من كافة الجهات أن تتكاتف وتضع ثقل اهتمامها بدعم الجبهة الداخلية التي أراها في حاجة ماسة إلى مثل ذلك الدعم في هذه المرحلة، وبكل السبل المتاحة لذلك، لتعزيز أمن واستقرار وطننا الحبيب، وترسيخ واستقرار أفراده، وأن تسعى بكل السبل الممكنة إلى انتزاع فتيل تلك الخلافات الطائفية والمذهبية، وأن تجعل من قول الله سبحانه وتعالى: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُوْلِي الأَمْرِ مِنْكُمْ فَإِنْ تَنَازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ فَرُدُّوهُ إِلَى اللَّهِ وَالرَّسُولِ إِنْ كُنتُمْ تُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ ذَلِكَ خَيْرٌ وَأَحْسَنُ تَأْوِيلًا)، حيث أرى أن من أهم أسباب ذلك الخلاف أن البعض ردّه إلى قول فلان وعلان، وما أكثرهم هذه الأيام.. والله من وراء القصد.