الخطاب الوعظي العاطفي، وإن كان ذا تأثير سريع على المتلقي إلا أنه سرعان ما يزول بعد وقت قصير، لأنه اتجه إلى العاطفة التي تفور بسرعة وتهدأ بسرعة، كأنها نوبة بكاء، أو لحظة فرح، وتجاهل «الفلتر العقلي» الذي ما إن تُمرَّر عليه هذه الشحنات العاطفية حتى يغربلها وينفي منها ما لا يوافق منطقيته وتحليلاته وخبراته. كان هذا الخطاب فاعلاً في فترة زمنية سالفة، إبان كان المتلقي بسيطاً، لا يدرك كثيراً مما يدور حوله، بفعل الجهل، والانغلاق، وضيق الأفق، لكنه في هذا الزمن أصبح خطاباً عتيقاً لا يصغي إليه إلا قلة من الصغار، ومحدودو التعليم والفكر، بل أصبح مثار نقد حاد، بل وساخراً ومتهكماً أحياناً. بعض الوعاظ أدرك تغيّر المتلقي، فصار يصيغ خطابه الوعظي بشكل جديد تجاوز التوليد المركّز للمشاعر التقليدية اللحظية من فرح وحزن وترهيب وترغيب، إلى ابتكار حالات صادمة تختلط فيها الغيبيات بالماورائيات، مما لا يمكن الجزم به، لأن العقل لحظة التلقي يكون في حالة ذهول، تتجاوز منطقيته وتحليلاته وخبراته. قبل أيام تداول مستخدمو شبكات التواصل مقطع فيديو لأحد الوعاظ وهو يشرح ردة فعل أحد الحاضرين لمحاضرته الدعوية، الذي وقف يهذي بكلام فسّره الواعظ أنه جني نطق على لسانه عندما لم يحتمل وجود الملائكة في مجلس الذكر! حينها تلبس الحاضرين الصغار الرعبُ، ووقفوا مشدوهين في حالة صدمة! هذه حالة وإن حققت شيئاً مما في نفس الواعظ، إلا أن أثرها مدمّر على المتلقين -خاصة الصغار-، فهي تربك العقل وتحيّده، وتغرس في النفس ثقافة الإسقاط النفسي التي متى ما أشيعت يمكنها أن تستوعب كل أخطاء البشر وتبررها، لتلصقها بعالم غيبي! «طفرة الوعظ» إبان الصحوة صنعت الخطاب الدعوي المغرق في العاطفة، رغم ذلك تبقى أقل خطراً، لأنها تركت مساحة للعقل ليكبح جماح العاطفة، لكن ما الذي ينتظرنا حينما يُغيّب العقل؟! وأي قيمة تبقى للإنسان بعد ذلك؟!