لعبت النجمة السينمائية البلجيكية الجذور والفرنسية الإقامة، ماري جيلان، في أفلام ناجحة، مثل «الطعم» و«تصريح العبور» لبرتران تافرنييه، و«أبي هذا البطل» لجيرار لوزييه إلى جانب الممثل الكبير جيرار دوبارديو، و «الأحدب» لفيليب دي بروكا، إضافة إلى مشاركتها في أعمال مسرحية فوق خشبات باريس، أولها «هستيريا» من إخراج الأميركي جون مالكوفيتش، وأحدثها «فينوس ذات الفراء» التي تلقى الرواج حالياً ومنذ بداية الموسم المسرحي 2014 - 2015. وآخر أعمال جيلان السينمائية عنوانه «سراب الحب مع فرقة موسيقية» من إخراج البجيكي هيوبير توان. ولمناسبة حضورها حفل تسليم جائزة «لوي دولوك» السينمائية التي ينظمها جيل جاكوب رئيس مهرجان «كان»، في الصالونات الخاصة لمطعم «فوكيتس» الباريسي الراقي في جادة الشانزيليزيه، التقت «الحياة» ماري جيلان وحاورتها. > ما سبب حضورك توزيع جائزة «لوي دولوك» السينمائية؟ - لقد تعودت حضور مهرجان «كان»، وبما أن رئيسه الحالي والذي سينهي مدة خدمته في نهاية عام 2014، وأقصد جيل جاكوب، هو مؤسس جائزة «لوي دولوك»، وتربطنا علاقة صداقة ودية وحميمة، فإنني أتلقى كل عام دعوة لحضور المناسبة. > هل ترينها ذات أهمية من الناحية السينمائية؟ - نعم، لأنها تسلط الضوء على الأفلام الفرنسية الحديثة وعلى مخرجيها وأبطالها، وهذا أمر في غاية الأهمية من أجل أن يتعرف الجمهور إلى النشاط السينمائي على أنواعه، من كبير وصغير، من خلال الإعلام الغزير الذي يغطي الحدث في كل عام. > تشاركين بواسطة فيلمك الأخير «سراب الحب مع فرقة موسيقية» للمرة الأولى في عمل يتناول مشاكل المرأة في إطار علاقاتها العاطفية في حقبة العشرينات من القرن الفائت، فما هو انطباعك عن هذه التجربة؟ - إنني مسرورة وفخورة بكوني أديت هذا الدور، على رغم الضعف العام الذي يميز الفيلم بسبب قلة إمكاناته المادية من ناحية، وأيضاً لأن مخرجه البلجيكي هيوبير توان خاض هنا التجربة الأولى له وراء الكاميرا، إذا استثنينا بضعة أفلام قصيرة وتسجيلية نفذها من قبل. لكنه رجل يعرف ماذا يريد ويجيد إدارة الممثلين ويؤمن بعمله وبالتالي يؤديه على أفضل وجه، وأعتقد أن عزيمته ظاهرة من خلال كل مشاهد الفيلم، وهذا ما يحضّ المتفرج على أن يغفر له العيوب التي قد يلاحظها هنا وهناك. ولعل دور هذه المرأة الشابة التي تعاني من مشاكل الحياة العاطفية وتصر على معالجتها، فضلاً عن الخضوع لها ولكيانها النسائي في زمن لم يؤمن بعد بحرية المرأة، ولوم القدر، هو من أحلى وأقوى ما تسنى لي تأديته فوق الشاشة، وأنا واثقة من كون الفيلم سيسمح لجمهوري باكتشافي تحت زاوية جديدة وشيقة. وأنا سعدت أيضاً بكون الشخصية التي مثلتها في هذا الفيلم تحترف العزف على البيانو، وأنا شخصياً أجيد ممارسة هذا النشاط منذ صباي، الأمر الذي سمح لي بعدم اللجوء إلى بديلة من أجل المشاهد التي أظهر فيها وأنا أعزف، ثم إن سيناريو الفيلم كتبه الممثل والمؤلف الراحل برنار جيرودو، وهو يتميز بقوة هائلة في مضمون مواقفه الدرامية والعاطفية بين الحبيبين. > أنت معتادة الظهور في أفلام عاطفية عامة، فكيف عشت تجربة العمل في فيلم من نوع المغامرات والحرب هو «تصريح العبور» تحت إدارة برتران تافرنييه الذي سبق أن أدارك في أحد أدوارك السينمائية الأولى في فيلمه العنيف «الطعم»؟ - مثلت في فيلم «الأحدب» المأخوذ عن رواية من نوع المغامرات لألكسندر دوما، لكنْ صحيح أن المغامرة في هذا العمل كانت تتميز بطابع الفروسية والمبارزة بالسيوف، إضافة إلى الحبكة العاطفية التقليدية والخفيفة، بينما روى «تصريح العبور» حكاية ممثلة عاشت وناضلت على طريقتها ضد النازية في الحرب العالمية الثانية. لقد أدهشتني الإمكانات التي حازها المخرج برتران تافرنييه لتحقيق فيلمه، فقد أُعيد بناء مناطق كاملة من مدن مختلفة داخل الاستوديوات ثم نُسفت كلياً أو جزئياً، من أجل لوازم الحبكة. أنا اعتدت مشاهدة مثل هذه اللقطات في السينما الهوليوودية أكثر من السينما الفرنسية، لكن تافرنييه بفضل شهرته وقدرته على جلب الإيرادات إلى شباك التذاكر أقنع الشركة المنتجة بتنفيذ كل طلباته. > وماذا عن أسلوب تافرنييه في إدارتك كممثلة بين فيلم «الطعم» الذي شهدك مبتدئة ثم «تصريح العبور» حيث كنت قد نضجت واكتسبت خبرة في الوقوف أمام الكاميرا؟ - ارتحت إلى طريقته في إدارتي وذلك في المرتين، كما أنني أحب أفلامه وأشاهدها كلها، سواء شاركت فيها أم لا. وتافرنييه كان قد اختارني لبطولة «الطعم» عندما كنت لا أزال مبتدئة ولم أتجاوز العشرين من عمري، وبالتالي أحسست بنوع من التحدي تجاه نفسي عندما علمت بأنه اختارني ثانية للمشاركة في فيلم جديد. فالأيام مرت وأنا نضجت وبنيت سمعتي الفنية على تجاربي المختلفة، ما كان يعني ضرورة إظهار ثمرة خبرتي أمام تافرنييه. لكن، على رغم تطوري المهني لم أتخلص من خجلي الطبيعي وحضرت إلى الاستوديو خائفة في اليوم الأول كأنني مبتدئة من جديد، لكنني تشجعت وعزمت على إبهار معلمي وفعلت. والفارق في النهاية بين العمل في فيلمين تحت إشرافه هو ما يميز تلميذة في الصف الابتدائي عن الفتاة ذاتها عندما تدخل امتحان الثانوية العامة. طبيعة الدور > كيف واجهت مسألة أداء لقطة سينمائية جريئة في فيلم «الطعم» بالتحديد؟ - أنا أقول دائماً إن دوري لا يهمني بمقدار ما أعير الحكاية الإجمالية عناية فائـــقة. صحيح أنني أديت هنا لقطة جريئة، لكنْ فـــي إطار شخصية تمارس الإجرام كي تحـــقــق أهدافها، وحاولت بالتالي أن أنسى نفسي تماماً أمام الكاميرا وأن أتحول إلى امرأة مجرمة ومجردة من الحياء، فالتمثيل يتطلب منا الفصل الكامل بين طبيعتنا وطبـــيعة الدور الذي نؤديه. والمهمة لم تكــن سهلة علي، خصوصاً أنها كانت تجربة جديـدة من نوعها. وأنا عاجزة عن مشاهدة اللقطة الجريئة هذه إذا حضرت عـــرض الفيلم، مثلما حدث معي في مهرجان «كان» حينما تم تقديمه للمرة الأولى أمام حضور كبير، فأنا حتى الآن لا أزال أغمض عيني خجلاً وأنتظر انتهاء المشهد. > كيف كانت علاقتك مع النجم جيرار دوبارديو شريكك في بطولة فيلم «أبي هذا البطل»، خصوصاً أن الرجل معروف بمزاجه الصعب؟ - أنا لا أعرف كيف أرد على السؤال بالتحديد، فقد دار التصوير بطريقة عادية جداً، فلم تكن أي علاقة مع دوبارديو خارج العمل، فهو لم يكلمني كثيراً، وأنا من ناحيتي وبسبب طبيعتي الخجولة، لا أختلط عموماً بالناس الذين أشعر بأنهم بعيدون عني. ولا أعتقد بأن تصرفات أي ممثل ونزواته كنجم صعب المزاج تأتي بأي إضافة أو نقص في ما يتعلق بطريقة عملي شخصياً، فأنا أبتعد عن المشاكل وأركز جهودي على دوري ولكنني أدافع عن نفسي إذا لزم الأمر. عبقرية مالكوفيتش > أنت عشت التجربة المسرحية الأولى لك بإدارة النجم العالمي جون مالكوفيتش عندما أخرج مسرحية «هستيريا» في باريس، فما هي ذكرياتك عن هذه التجربة؟ - لم أصدق ما حدث لي عندما علمت أن جون مالكوفيتش اختارني شخصياً لبطولة للمسرحية الأولى التي كان سيخرجها في باريس، وذلك بعدما طلب مقابلة تقريباً كل الممثلات الشابات الموجودات في الساحة الفرنسية، وأعترف لك بأنني لم أسأله أبداً عن سبب خياره واكتفيت بمحاولة إرضائه وإنجاز المطلوب مني بأفضل وسيلة ممكنة. وأنا أعتقد أن مالكوفيتش مجنون حقاً، ولا أقول ذلك في شكل مهين له بل على العكس أقصد بكلامي هذا جنون العبقرية الذي يجعل صاحبه يتفوق بطريقة لا يتوصل إليها أي شخص عادي مهما كانت موهبته الفنية كبيرة. لقد كان مالكوفيتش يأتي بأفكار بدت جنونية وغير صالحة للتنفيذ إطلاقاً، ما كان يجعلنا أنا وزملائي من الممثلين ينظر بعضنا إلى بعض ونسأل أنفسنا عما سيحدث في ما بعد، وكلما شقت الفكرة طريقها بدت أوضح وأوضح، وكنا ندرك مغزاها وعبقريتها، لذلك جاءت النتيجة النهائية رائعة ولاقت المسرحية نجاحاً ملموساً لدى الجمهور والنقاد. أما عن نفسي فأحمل عن هذه التجربة ذكريات مدهشة أصفها بهامشية بالمقارنة مع أي شيء آخر عشته في المسرح أو السينما، وأقصد أنها تجربة تحدث مرة واحدة في العمر. > وكم عمرك؟ - 39 سنة. > أنت تقفين حالياً فوق خشبة مسرح «تريستان برنار» الباريسي مؤدية الدور الأول في مسرحية «فينوس ذات الفراء» إحدى أنجح المسرحيات المطروحة في العاصمة الفرنسية في ختام هذا العام. حدثينا عن هذه التجربة. - لقد قام السينمائي الكبير رومان بولانسكي بإخراج الفيلم المأخوذ عن هذه المسرحية البريطانية أساساً، وذلك في عام 2013، مانحاً بطولته النسائية لشريكة حياته الممثلة إيمانويل سينييه. وها أنا أرث الدور في المسرح بعدما تنازلت عنه صاحبته السينمائية، وأشكرها على ذلك لأنني أعتبر الأمر بمثابة هدية من السماء، ذلك أن شخصية الممثلة الشابة التي تتحول في ساعة من فريسة يرغب في التهامها أحد المخرجين المرموقين، إلى حيوان مفترس تقلب حياته رأساً على عقب، هي من أقوى وأجمل ما يتسنى لممثلة تأديته فوق الخشبة. وحلمي هو أن أشارك في المسرحية نفسها في لندن ونيويورك بما أنني أجيد اللغة الإنكليزية.