«إعلام الدولة إلى أين - نحو استراتيجية جديدة لتطوير الإذاعة والتلفزيون» هو موضوع ندوة نظمتها الجامعة البريطانية في مصر أخيراً بهدف «البحث في استراتيجية جديدة لتطوير الإذاعة والتلفزيون، ورصد المشكلات وتحليلها، والبحث عن آليات تنمية قدراته، وصوغ ملامح استراتيجية لتطويره»، كما أشار محمد شومان عميد كلية الإعلام في الجامعة. الندوة التي نظمتها الجامعة جاءت في لحظة يتعرض فيها إعلام الدولة لهجوم ممن يطمحون إلى السيطرة على إعلام يقدّم خدمة عامة ويتحمل مسؤولية الواجهة الرسمية للدولة. استحوذ اتحاد الإذاعة والتلفزيون المصري «ماسبيرو» الرافد الأساسي لإعلام الدولة على النصيب الأكبر من أعمال الندوة، «بوصفه جهازاً خدمياً، وباعتباره مكملاً للمؤسسات التعليمية والدينية والمنظمات المدنية وخلافه في بناء الفرد وحماية ثوابت الأمة والدفاع عنها»، وفق أسامة الشيخ الرئيس الأسبق لاتحاد الإذاعة والتلفزيون. يذكر أن اتحاد الإذاعة والتلفزيون المصري عانى على مدار سنوات طويلة مشكلات ضخمة أبرزها بطالة مقنعة نتيجة تضخم رقم العمالة حتى وصل إلى أكثر من 40 ألف موظف، وكيفية توفير مستحقات مالية تجاوزت 220 مليون جنية شهرياً، الأمر الذي فاقم ديون هذا القطاع حتى تجاوزت الـ 20 بليون جنيه. وقال الرئيس السابق لقطاع الأخبار في الاتحاد الإذاعة والتلفزيون إبراهيم الصياد إن وضع الإعلام الرسمي السيئ هو «نتيجة لوائح وقوانين قديمة تحكم قطاعات الاتحاد منذ أن كان التلفزيون أبيض وأسود». ورأى في هذا السياق أن لا بديل من تقوية اتحاد الإذاعة والتلفزيون في المرحلة المقبلة لكن «لن يتحقق هذا في ظل استمرار المشكلات المزمنة التي تنخر في هذا الكيان الإعلامي العريق وحولته إلى رجل عجوز لا يقوى على الحركة والمنافسة». ولفت أستاذ الإعلام في جامعة القاهرة صفوت العالم إلى ضرورة إنشاء وحدة للبحوث الإعلامية «كمؤسسة غير هادفة للربح، تابعة لكلية الإعلام تعنى بإجراء تقويم عام للقنوات الإعلامية، وإصدار تقارير صحيحة». ووصف المنهجية التي يقوم عليها العمل داخل «ماسبيرو بأنها «لا تتسم بأي رشاقة أو قدرة على التطوير». وقال الإعلامي والصحافي حسين عبدالغني إن «السلطة السياسية وعلى امتداد تاريخها لم تسقط ملف الإعلام من يدها»، وإن «ثمة حديثاً دائراً منذ سنوات طويلة عن أخطاء وكوارث في الإذاعة والتلفزيون». وأضاف: «لكن هذه المرة هي كلمة حق يراد بها باطل من أولئك الذين ظلوا عشرات السنين يمارسون عملية نهب وتدمير، والآن وبعد أن أفقدوه تأثيره وجرفوه تماماً يريدون تنفيذ عملية الاستيلاء الأخيرة باعتباره وحدة من وحدات الدولة الخاسرة». واعتبر أن تطوير المحتوى الإعلامي وإعادة هيكلته لن يتحققا ما لم تتوافر الإرادة السياسية، موضحاً أن مسألة الدفاع عن وجود ما يطلق عليه «إعلام الخدمة العامة» مسألة وطنية». ورأت مديرة المكتب الإقليمي لـ BBC ومشاريع العالم العربي سابقا نجلاء العمري أن «الحديث عن حوكمة مؤسسة إعلامية هو انعكاس للسياقين المجتمعي والسياسي في لحظة تاريخية بعينها، تعبر بوضوح عن قيم المجتمع الذي تنتمي إليه المؤسسة وتعبر أيضاً عن الدور الذي ترغب في أن تؤديه وتطمح إليه». ولفتت إلى أنه إذا غاب هدف الخدمة العامة عن المؤسسة الإعلامية «جاءت حوكمتها فلسفة وتشريعا وتطبيقا ملتصقة بالسلطة وبأشكالها المختلفة». ورفضت ما يذهب إليه البعض من أن ثمة مراجعات للسياسة التحريرية تقوم بها محطات وقنوات إعلامية دولية في ظل الحرب الدائرة على الإرهاب، مؤكدة أن هذا «أمر غير موجود ولا حقيقة له». وتحدثت أستاذ الإعلام في جامعة القاهرة هويدا مصطفى عن مفهوم الخدمة العامة، فأشارت « إلى إنه لا يعبر عن نظام معين ولا يعبر عن اتجاه احتكاري معين». واستطردت: «هناك مبادئ مهمة لتحول الإعلام وتطويره ترتكز على الشمولية والتنوع والتعدد في ما يتعلق بالبرامج والجمهور، والتميز في المحتوى بحيث تستقطب الجمهور، وأخيرا الاستقلالية التي تضمنها بعض مواد الدستور». ومن جهته اعتبر رئيس اتحاد الإذاعة والتلفزيون سابقاً إسماعيل الششتاوي أن الإعلام صاحب دور رئيس في التنمية الإنسانية الحاسمة، وحتى يتحقق هذا الدور «لا بد له من رأسمال ثقافي ونقدي ليكون إعلاما شاملا». يذكر أن الندوة خرجت بمجموعة من التوصيات أكدت ضرورة إقامة نظام إعلامي يضمن حرية الإعلام ومصدقيته واستقلاله عن السلطة التنفيذية ورأس المال الخاص، وعن سطوة الإعلان، وإطلاق حرية إنشاء المحطات الإذاعية والتلفزيونية، والدخول في بيئة الإعلام الجديد والأنفوميديا.