سنقف لحظات صمت أمام كل الأحداث السياسية الكبرى حولنا، أمام داعش وإرهابها، أمام قضية فلسطين وتوقف مجلس الأمن الدولي والفيتو الأمريكي.. إلخ..، وسنتجاوز مراقبة سوق النفط العالمية وتراجعاتها وهبوط أسواق الأسهم أو عودتها، وموضوع الإسكان، وكل الاكتشافات العلمية والإنسانية التي حفل بها العام الحالي الذي يشرف على نهايته. لنتابع باهتمام يتجاوز شغفنا الرياضي بكل البطولات العالمية والأوروبية والمحلية، لنتابع الجدل أو الصراع الفقهي في الساحة السعودية حول وجه المرأة، وجواز كشفه أم لا..! القصة بدأت من رجل ملتحٍ وذي علم سعودي، حرك الركود إلى تطبيق مبدأ الاختلاف خارج الموقف الواحد المتشابه، إلى ممارسة ما يراه أحدهم حقًا، وهو أمر يشاركه فيه غالبية العلماء من خارج حدودنا الجغرافية. ببساطة وشجاعة، أعلن رأيه وطبقه! هكذا ظهر الشيخ أحمد بن قاسم الغامدي، مع زوجته السيدة جواهر الغامدي في برنامج «مع بدرية» -الزميلة بدرية البشر-، مدلِّلاً على قناعته وقناعة زوجته بالرأي الفقهي الذي رآه راجحاً على ما هو سائد محليًا، في شأن تغطية المرأة وجهها وعزلتها عن الرجال. ومن هناك بدأ العنف اللفظي يتصاعد من قبل العامة، متأثرين بتفاعل علماء لهم وجهة نظر ورأي مختلف في المسألة، لكن القصة تجاوزت ذلك لتظهر جانب إرهاب آخر، إنه الإرهاب الأصغر الذي يؤدي إلى الإرهاب الأكبر، عبر عنف لفظي يَتَداول في مواقع التواصل الاجتماعي وما بعدها، ناقلاً لنا لغة أخلاقية مشينة، كلها معبأة شتيمة وعنصرية حادة، تَقْذف بالعرض، وتختطف النوايا، وتطعن في المعتقد وتدعو إلى التكفير، في رأي ومسألة جدل فقهية! الصدمة التي لم ولن يطيقها هؤلاء، هي لقلب طاولة التقليد، إلى الاجتهاد والرأي الأوسع، ذلك الاجتهاد الذي طالما قالوا لنا: إنه أحد أقوى الأسباب ليكون الإسلام بمجمله صالحا لكل زمان ومكان! كل ما فعله الغامدي أنه فتح هذا الباب على مصراعيه وأعاد قراءة النصوص. فقط قدم لرأي مخالف عن السائد في المحيط المحلي، من شيخ سعودي وملتحٍ ومن نفس المدرسة، ويظهر بقوة ووضوح غير مسبوق على شاشة تلفزيونية عربية! إنه انقلاب لا يطيقه هؤلاء الراكدون، وأصحاب الرأي الواحد، بغض النظر عن الأصل الشرعي، وبغض النظر عن عمق الجدل الفقهي. إلا أنه سيكون في اعتقادي تحولاً استراتيجياً في مسارات تعدد الآراء الفقهية التي لم نعتد على سماعها، وهو ما يظهر من ردود الفعل العنيفة التي واجهها الشيخ الغامدي! إلا أن اللافت والمؤسف حقاً أن كل هذا العنف والتهديد والوعيد تطور إلى حد تلقي الشيخ الغامدي تهديدات بالقتل! فهل نحن أمام آراء وحوار فقهي معتبر، موقف خطر لا يكاد يطيق حتى نفسه..؟!