قصة المدربين الأجانب في المملكة مسلسل طويل يبدو أنه لا نهاية، فقد صرفت أموال طائلة على عقود المدربين الأجانب للمنتخب أو للأندية المختلفة، وما أن يتعرض الفريق لهزيمة أو يخسر بطولة حتى يبدأ سيناريو الهجوم على المدرب والمطالبة برحيله فيرحل حاملاً شيك الشروط الجزائية الضخم.. - إلى متى يستمر هذا المسلسل؟ وما السبيل للخروج من هذه الحلقة المفرغة؟ - لماذا يفشل المدربون الأجانب عندنا رغم مسيرة النجاح التي نقرؤها في سيرتهم الذاتية قبل التعاقد؟ - لماذا عجزنا عن تأهيل ولو عدد محدود من المدربين والاكتفاء بلاعبينا القدامى ذوي الخبرة؟ - أخيراً كيف يبدو مستقبل صناعة التدريب في المملكة؟ المشاركون في القضية - محمد النويصر: نائب رئيس الاتحاد السعودي لكرة القدم رئيس رابطة دوري المحترفين السعودية. - عادل الثقفي: مدرب وطني. - عبدالعزيز الدوسري: رئيس نادي الاتفاق. - عبدالله الهزاع: رئيس نادي القادسيةسابقاً. - أحمد المشيقح: عضو شرف نادي الرائد. - خالد القروني: مدرب نادي الاتحاد سابقاً. - يوسف عنبر: مدرب نادي الحزم. - خالد الشنيف: محلل رياضي - علي كميخ: مدرب وطني في البدء.. يقول محمد النويصر: الاتحاد السعودي ممثلاً في قيادته، وفر للمدربين الوطنيين كافة فرصة معايشة مهنة التدريب، واستطاع أن يضع لبنة الصقل؛ ليدفعهم نحو شق مجال التدريب بشهادات معتمدة رسمياً، وتحت إشراف خبراء فنيين لهم باع طويل في التدريب، سواء في الدورات الداخلية، أو الخارجية، التي ضمت أسماء مرشحة من قبل الأندية. والحديث عن العجز في تأهيل ولو عدد محدود من المدربين الوطنيين من لاعبينا القدامى، أرى أنه من الصعب أن نحمل جهة بعينها كامل المسؤولية، بل إن التعميم في مثل هذه المواضيع لا يعكس المعالجة السليمة، ويمكن لنا التساؤل عن الكيفية التي تتعامل بها الأندية مع هؤلاء الوطنيين أمام حرصهم على تنمية مهاراتهم وإمكاناتهم بالشكل السليم، وأعتقد أن إدارات الأندية تمثل الجزء الأكبر من مسؤولية تغييب هذا العنصر الوطني، لأن مناهج مخططات عملها لا يمهد لتقديم الوطنيين بشكل أمثل، ودون تعميم هناك أندية كان لها الحضور اللافت في هذا المنحى، مثل نادي الشباب، الذي قدم لنا مدربين وطنيين على درجة عالية من التأهيل، منهم المدرب عبداللطيف الحسيني، وقبل ذلك الجعيثن، وإبراهيم تحسين وغيرهم، في الوقت الذي ترى بعض الإدارات أن ثمة مبرراً يدفعهم للتعاقد مع مدربين أجانب؛ لاعتقادها أن الوطني يتأثر بالأجواء المحيطة به، وأقصد الإعلام والجماهير والضغوطات التي قد لا يستطيع الصمود أمامها، في الجانب الآخر، تعتقد بعض الإدارات أن إيكال المهمة للمدرب الوطني يُفسر بمحدودية إمكانات النادي. وعن الحل الأمثل لنهاية هذا المسلسل، للخروج من هذه الحلقة المفرغة، يقول النويصر: المسألة معقدة ومختلطة في بعضها البعض، ولا تحتاج سوى لنظرة واقعية وفكر احترافي، ويكون المحرك الرئيسي لهذه الأجواء منح الثقة للمدرب الوطني، وإعطائه الصلاحية التامة؛ حتى يجد بين يديه الفرصة كاملة دون قيد أو شرط بطريقة تكفل له تقديم ما لديه، وبالتالي تتم محاسبته على ذلك دون التدخل في عمله، بوقوف داعم يشابه ذلك الذي يناله المدرب الأجنبي على الصعيدين النفسي والمالي. مشكلة المدرب المحلي أما عبدالعزيز الدوسري، فيقول: المدرب الناجح يحتاج إلى الدراسة والعمل الكثيف، وما يميز المدرب الأجنبي هو التفرغ وقوة الشخصية، وإذا وضعنا المدرب المحلي في مكان المدرب الأجنبي فلن يثبت جدارته، وعلى المدربين المحليين الاهتمام والتفرغ للتدريب فقط والتضحية من أجل أن يكونوا أهلًا لثقة الأندية، وهذه لن تأتي على طبق من ذهب، بل عن طريق العمل والجهد والمثابرة، فالأندية بمنتهى الصراحة، لا ترغب بالمدرب المحلي، وللأسف تستصغر إمكاناته، وما زاد الأمر سوءاً الآن، هو مسمى دوري المحترفين، حيث أصبحت عقلية إدارات الأندية حسب مسمى دوري المحترفين، ولهذا لا تنظر للمدرب الوطني، وبالتالي على المدرب الوطني أن يدرك بأن التدريب عقلية فنية، وللأسف المدرب الوطني يفتقد للشخصية القوية على اللاعب، وهذه مشكلة تكمن في عديد من المدربين المحليين، وللتخلص من هذه الإشكالية، عليهم أن يهتموا بالجانب النفسي، قدر اهتمامهم بالجانب الفني، ومتى ما اتخذ المدرب الوطني من هذا منطلقاً له في عالم التدريب، فإنه دون أدنى شك سينجح، وسيلفت أنظار الأندية نحوه، وفضلاً عن الفائدة التي سيجنيها من اهتمامه بالجانب النفسي بالإحاطة بنفسيات اللاعبين المحليين وحتى الأجانب، فإن اهتمامه بهذا الجانب سيجعله أكثر قوة وثقة بالنفس حينما يتعامل مع الإعلام السلبي، ولن يلتفت له كثيراً، وهذا ما يميز المدرب الأجنبي في ملاعبنا، إذ يكون تركيزه فقط منصباً على الاهتمام بالجانبين، النفسي والفني للاعب، ولا يلقي بالاً للإعلام وما ينشر عبر وسائله المختلفة. نقص الاحتكاك من جهته، يقول رئيس نادي القادسية عبدالله الهزاع: عزوف الأندية عن اختيار المدرب المحلي يعود إلى عدم تفرغ المدرب الوطني لمهمة تدريب ناد لموسم كامل، كما أن المدرب الأجنبي يحضر بثقافة كروية ودراسة في مجال التدريب على عكس المدربين المحليين الذين ينقصهم الاحتكاك، والمشكلة تكمن في عدم تفرغ المدرب المحلي الذي يعتبر التدريب هواية وليست وظيفة، وبرأيي متى ما تفرغ المدرب المحلي لمجال التدريب، وكانت مهنته الرئيسة، وعزز ذلك بالدراسة والخضوع للدورات التدريبية المتخصصة في مجال كرة القدم، فإننا حتماً سنرى المدربين الوطنيين يجلسون على مقاعد الاحتياط ويقودون فرق الممتاز، وأنا كرئيس ناد عندما أحضر مدرباً صاحب سيرة تدريبية مميزة ومعروف، أفضل من أن أحضر مدرباً محلياً ليست لديه الإمكانات والخبرات التدريبية، وإن كنت أرى أن تطور المدرب المحلي أمر مطلوب ويفرح الجميع، لكن هذا لن يأتي بالتمنيات، إنما بالعمل والدراسة ومتابعة كل جديد في عالم التدريب. عدم الخبرة أما أحمد المشيقح، فتطرق لأسباب عدم استعانة الأندية بالمدربين المحليين بقوله: عدم وجود الخبرة لدى المدرب المحلي هو السبب الرئيس في غياب أي دور للمدرب الوطني عن أندية الممتاز، وهنا أطالب الاتحاد السعودي لكرة القدم بإعطائهم دورات تدريبية مثلما يتم إعطاء الحكام المحليين دورات في مجال التحكيم، وإشراكهم في دورات خارجية أفادتهم كثيراً، لأن المدرب يحتاج للتعرف أكثر على أساليب الكرة المختلفة، وللأسف أغلب المدربين المحليين هم في الأساس يعملون مدرسين لمادة التربية البدنية في المدارس، لذلك من المستحيل على الأندية الاستعانة بهم. دور الإنقاذ بينما يعلق المدرب الوطني يوسف عنبر، على عدم استعانة أنديتنا بالمدربين الوطنيين، قائلاً: ليست هناك غرابة أن يغيب المدرب الوطني في جميع أندية دوري المحترفين، فحضور المدربين الوطنين أصبح ضعيفاً جداً، والأندية تبحث عن الأفضل، ثم إن الموضة الحالية تقضي بأن يكون المدير الفني أجنبياً، لكنني أعتقد أننا سنرى المدربين المحليين قبل نهاية الموسم، وبالتحديد عندما تغرق سفينة النادي، وبالتالي ستلجأ إدارات الأندية إلى المدرب المحلي، الذي إذا ما نجح في إعادة الوضع لطبيعته، نجد النادي يعود من جديد للاستعانة بالأجنبي، رغم نجاح المدرب المحلي، ونحن لدينا مدربون مميزون بكثرة، ولكن فقط يقومون بدور الإنقاذ، وبالتالي معاناة المدرب الوطني تكمن في عدم الثقة، لأن الشارع الرياضي بشكل عام، يرفض منحه كامل الثقة جنباً إلى جنب مع المدرب الأجنبي، وهناك وقائع بدت تفرض نفسها على الساحة، كون الأعوام الماضية كانت الفرصة تمنح فيها لعديد من المدربين الوطنيين، ولاسيما في أندية الدرجة الأولى أو الفئات السنية، ولكن اختلف الوضع في الوقت الراهن، كون الأندية باتت تلتفت في المراحل الحالية للمدربين الأجانب دون التركيز على الوطنيين الذين خصصوا سابقاً للإشراف الفني على الفئات السنية، فيما باتوا يفضلون الأجنبي. ويضيف يوسف عنبر، قائلاً: المدرب الوطني يحتاج لثقة إدارة ناديه، والنادي يظل العامل الرئيسي الذي يتبنى فكرة تقديم المدرب الوطني ومنحه الثقة والأجواء التي تسمح له بالعمل بشكل مستقر بعيداً عن الضغوطات، وهو بلا شك يحتاج إلى تهيئة نفسية من قبل الشارع الرياضي ممثلاً في الأندية والجماهير والإعلام الرياضي الذي يمثل نقطة دعم رئيسية في القضية بشكل عام، علماً أن المدرب الوطني استطاع أن يفرض نفسه في عديد من المناسبات كمدرب قادر على العطاء وقيادة الفريق بشكل مستقر، ولذلك لا بد أن تعالج السلبيات التي فرضت ابتعاده بتحرك الأطراف كافة المحيطة بالمدرب الوطني، المطالب بأن لا يتأثر وأن يسعى جاهداً لتطوير مستواه، وإن كنت أحمل إدارات الأندية مسببات غيابه، فمزاجية الإدارات لها جانب مهم في غاية التأثير، بالإضافة إلى مسألة الثقة التي تعد من أوائل المسببات، وبالتالي لا يمكن أن نرمي التهم جزافاً على أي طرف مسؤول في الاتحاد السعودي لكرة القدم، لأن المعضلة الرئيسية في عدم أخذ المدرب الوطني فرصته، تعود لإدارات الأندية، التي تعاني من قصر النظر، من حيث اعتمادها على الاستفادة الوقتية، من خلال الاستعانة بالمدرب الأجنبي، فهو الحل السريع بنظرها لتحقيق الأهداف التي تتوخاها. دور العاطفة أما خالد القروني، فيقول: الأجواء المحيطة بالساحة الرياضية وراء غياب المدرب الوطني، لأنها عزلت عديداً من الأسماء التي كانت وما زالت قادرة على تقديم فكر تدريبي يخدم الصالح العام، ومن الصعب أن يتم تناول وسرد مسببات غيابهم سوى أن ضغوطات أنديتنا دائماً ما تحكمها قرارات انفعالية تلعب بها العاطفة دوراً رئيسياً، وهو ما يعد السبب الأبرز لعدم ظهور المدرب الوطني. وفي المقابل، نجد للأسف أنديتنا في كل عام، تستقدم مدربين أجانب بعقود مالية كبيرة جداً، لا يمكن أن يحظى بها أي مدرب وطني، ومع هذا نجدها بين ليلة وضحاها تقيلهم من مناصبهم، ومن مهامهم الإشرافية على الأندية، نتيجة خسائر مفاجئة، ويكون هؤلاء المدربون هم الرابحون من هذه الإقالة، إذ إنهم يأخذون كامل مستحقاتهم غير منقوصة، حسب العقد المبرم مع إدارات الأندية، وفي هذا نقص كبير في مفهوم الاحتراف من قبل هذه الأندية، إذ ينبغي ألا يكون المدرب الحلقة الأضعف عند اهتزاز المستويات أو تلقي الخسائر، وفسخ التعاقد مع المدربين، سواء كانوا محليين أم أجانب، أمر ينافي المبادئ المعمول بها مع الأندية الأوروبية التي تعد المعقل الرئيسي للاحتراف. وما أتمناه حقيقة من إدارات أنديتنا، أن تتحلى بالجرأة عند تعيين المدربين الوطنيين، وأنا ضد مفهوم مدرب الطوارئ، كون المدرب الوطني تجده في الأصل ابن النادي الذي قد يمر بمرحلة عدم توفيق مع مدرب أجنبي، وأرى هذا التوقيت فرصة للمدرب الوطني ليؤكد ما لديه ويستغل الفرص التي تتهيأ أمامه. ---------- عادل الثقفي: القصور في هذا الجانب يهم الأطراف كافة وبسؤالنا للمدرب الوطني عادل الثقفي، عن مكمن الخلل في عدم أخذ المدرب الوطني فرصته في تولي مهام التدريب، سواء على مستوى الأندية أم المنتخبات الوطنية، أجابنا قائلاً: القصور في هذا الجانب يعم الأطراف كافة، بداية من الاتحاد السعودي، ووصولاً للمدرب الوطني، فالاتحاد السعودي وإن حرص شكلياً على إعداد الدورات التأهيلية للمدربين الوطنيين، إلا أنه لم يفعّل هذا التوجه من خلال إكماله بمتابعة الأندية وإلزامها بضرورة منح هؤلاء المدربين مساحة اهتمام أوسع وإخراجهم من خندقي (مدرب الطوارئ أو مساعد المدرب)، وإن كنت أرى أن المسؤولية الأكبر مرتبطة بالأندية وإداراتها التي أخرجت المدربين الوطنيين من دائرة حساباتها كلياً، وتفرغت للقادمين من الخارج، بعد أن أعلن عديد منها موقفهم تجاه المدرب الوطني، وكأنهم لا يملكون القدرة والإمكانات الفنية التي تؤهلهم على الإشراف على الفرق، وإن كنت هنا أحمل المدرب الوطني جزءاً من المسؤولية، نظراً لافتقاده القدرة على إقناع إدارات الأندية بإمكاناته. ----------- علي كميخ :غياب المدرب الوطني يعود لفقدانه الثقة ممن يحيطون به ويقول علي كميخ حينما سألناه عن سبب فقدان الثقة بالمدرب الوطني: عديد من المدربين الوطنيين يملكون الإمكانات التي تؤهلهم للإشراف الفني على الأندية الكبيرة، بعد أن أكدت الشواهد أحقيتهم بنيل الفرص حتى يجدوا مساحة للتألق، وبرأيي أن غياب المدرب الوطني يعود لفقدانه الثقة ممن يحيطون به، وهو بحاجة لأن تلتفت إليه إدارات الأندية، باعتبارها الجهة المسؤولة عن تهيئة الأجواء المناسبة له، لأخذ فرصته كاملة في مجال التدريب، وإزالة الحواجز التي تقف أمام انطلاقته، وهناك عديد من المدربين الذين يملكون مقومات التدريب والإشراف الفني وينتظرون أن تشملهم الفرصة حتى تتسع دائرة المنافسة فيما بينهم، وبالتالي تبرز المحفزات أمامهم لتجاوز العزلة التي يعيشها بعضهم. ---------- خالد الشنيف: سئمنا ونحن نلح ونتكلم بهذا الموضوع عند سؤالنا خالد الشنيف، عن سبب عدم استعانة أنديتنا بالمدرب المحلي، أجابنا قائلاً: لقد سئمنا ونحن نلح ونتكلم بهذا الموضوع، ولا جديد يذكر، لأن الأندية كما في كل موسم تفضل المدرب الأجنبي على المدرب المحلي، رغم القدرات الجيدة التي يمتلكها المدرب الوطني، الذي حقق الكثير من الإنجازات لمنتخباتنا الوطنية وللفرق أيضاً محلياً وخارجياً، ومع هذا غالبية الأندية تحضر مدربين أجانب ثم تستغني عنهم؛ لفشلهم في تحقيق المطلوب، من هنا فإن الأولى تولي المدرب المحلي المهمة بدلاً من تكبد خسائر وأموال طائلة عند التعاقد، وعند الإقالة.