كثيرٌ هوَ النومُ هذهِ المرّةُ يا صَديقي سَتُزيحَهُ بعينَيك اللتينِ أطْفأهُما الأسَى الطريُّ في الأمْصَالِ وسترفَعهُ بِيدَيكَ المتقصّفتينِ تحتَ الرُّعودِ وسيَبقَى منهُ أريجاً يؤنسُ التائهَ في بحرِ الظُّلماتِ. *** منذُ زمنٍ لمْ نَحْمِلْ نُعوشاً ولم نَشُمَّ آخرَ رائحةٍ للإنسانِ لمْ نتوضَّأ بالبخورِ ولمْ نغْسِلْ أحَد فُتْيانِنا بِعُيونِنا المغدورةِ كانَ عيوناً كثيرةً سئمَتْ في أحْداقِها وهيَ تشهدُ رمادَ الأعوامِ والفصولِ وكانَ يُطِلُّ علَينا منْ عَلٍ هذهِ المرةُ لنُعْلِيهِ قليلاً في صلواتِنا وفي كلماتِنا الضَّريرةَ ولنُرْخِي رِقابنا ليَنثرَ فوقَ عرَقِها شظايا أنشودتهِ الداميةْ *** نَمْ يا ابن أمِّيِ ثقيلٌ هو نومُ الظهيرةِ ثقيلٌ عَسجدُ الضوءِ الكابيِ في العيونِ وعلى الزجاجِ المغبرِّ *** كانَ لنا أُمهاتٌ كثيراتٍ رَضِعنا حليبَهُنَّ السّماويِ فأصْبَحنا أخوةً ولم نتزوَّجَ إلا في البعيدِ القاسيِ حينَ تأكَّدنا أنَّ القريةَ لمْ تُنجبْ سِوَى أخواتِنا كانَ لنا أُمهاتٌ رَصَفْنَ طريقَنا بالدَّمعِ وأهَلْنَ على هاماتِنا الدَّعَواتِ فلمْ نَعُدْ نَعرفُ طرِيقَنا الذي طالَما خَرمتْهُ السيولُ إلى نُيونِ المدينةِ البعيدةِ. *** ماذا نصْنعُ بِحياتِكَ التي تركْتَها لنا لأنكَ ضَجِرْتَ من حَمْلِها وقرَّرتَ أن تستندَ إلى الترابِ الصَّلدِ؟ وبماذا نملأُها وبأيِّ ماءٍ نملأُ تلكَ القِرَبِ المُصَبَّرةِ على السُّفوح وعلى أيَّةِ عتَبةٍ سَنستذْكرُ الأمطارَ التي هطَلتْ طويلاً فلمْ تُوقظْ زَهرةً واحدةً وبأيِّ فؤادٍ سنتَجرَّعُ موسيقاكَ الفقيرةَ مالئينَ ثُقوبَ الليالي الجائرةَ؟ (جزء من قصيدة طويلة)