في عام 2002م، اقترحت مؤسسة التمويل الدولية (IIT) أن يتم إصدار لائحة تشريعية لحوكمة الشركات يمكن تقنينها في قوانين الشركات وأسواق رأس المال، ومع هذا فقد أكدت المؤسسة على أنه يفوق هذه اللائحة في الأهمية مدى كفاءة المناخ التنظيمي والرقابي، حيث يتعاظم دور أجهزة الإشراف في متابعة الأسواق من خلال الارتكاز على دعامتين أساسيتين هما: الإفصاح والشفافية، والمعايير المحاسبية السليمة، ولعل السبب نفسه هو الذي أدى إلى أزمة صندوق التمويل، إذ أظهرت الدراسة التي أجريت لمعرفة أسباب الأزمة التي تعرض لها الصندوق إلى عدم خضوعه للوائح تنظيمية تجبر القائمين بالإدارة على الإفصاح والشفافية فيما يتعلق بالمعلومات المتعلقة بمخاطر التداول في الأسواق المالية. دعت هذه الأزمات المؤسسات والمنظمات الدولية المهتمة بمبادئ الحوكمة إلى التركيز على معايير الإفصاح والشفافية أياً كانت نوعية المساهمين في رأس مال الشركات العاملة فلقد تأكد لدى هذه المؤسسات أن السبب الحقيقي في حدوث هذه الأزمات يرجع إلى افتراض المشرعين والجهات الرقابية أن المساهمين في هذه الشركات والممارسين لهذه الأنشطة المعقدة على قدر كاف من المعرفة، وعلى دراية تامة بآليات التعامل بما يسمح لهم بحسن التعامل والاستغلال والتوجيه الأمثل لرأس المال، غير أن معايير الإفصاح والشفافية لا تسهم وحدها في حسن الرقابة، وإنما تتوقف هذه الأخيرة على استخدام الشركة لأساليب محاسبية سليمة. فالاعتماد على أساليب محاسبية معقدة، يؤدي إلى حجب المعلومات، وصعوبة إدراك أو اكتشاف المساهمين والمحللين الماليين للسبل التي تعتمد عليها الشركة في تمويل أنشطتها، هذا فضلاً عما قد يخفيه من عدم إبراز لضعف إيرادات الشركة، أو التعرف على عدم قيام الإدارة بتوزيع عناصر المخاطرة. وبالرغم من اهتمام المملكة العربية السعودية بتطبيق مبادئ حوكمة الشركات وتعقد كثيراً من المؤتمرات للتعريف بها والاستفادة من أحكامها، فإن حجر الزاوية في هذه الاستفا دة يتمثل في أعمال قواعد الرقابة الدقيقة، وهذا ما أكدت عليه الفقرة (و) من المادة العاشرة في لائحة حوكمة الشركات السعودية التي تنص على أهمية (وضع السياسات والإجراءات التي تضمن احترام الشركة للأنظمة واللوائح والتزامها بالإفصاح عن المعلومات الجوهرية للمساهمين والدائنين وأصحاب المصالح الآخرين ويتجلى ذلك من عملية اختيار أعضاء مجلس الإدارة وكيفية تعيينهم، مروراً بما يتم اتخاذه من قرارات لتوزيع الأرباح وانتهاء برقابة الأداء وهذا ما يترتب التعرض للاستحقاق الوظيفي، وقرارات توزيع الأرباح ورقابة الأداء على النحو التالي: ) الاستحقاق الوظيفي: تناولت المادة العاشرة من لائحة حوكمة الشركات السعودية الوظائف الأساسية لمجلس الإدارة حيث ورد في البند الرابع من الفقرة (هـ) تأكيد على أهمية الالتزام بقواعد السلوك المهني داخل الشركة، حيث نصت على دور تفعيل مبدأ قواعد السلوك المهني للمديرين والعاملين في الشركة، بحيث تتوافق مع المعايير المهنية والأخلاقية السليمة وتنظم العلاقة بينهم وبين أصحاب المصالح، على أن يضع مجلس الإدارة آليات مراقبة تطبيق هذه القواعد والالتزام بها وقد أكدت لائحة حوكمة الشركات السعودية على أهمية أن يقوم مجلس الإدارة بدوره في تفويض الصلاحيات للإدارة التنفيذية، وهذا ما يتطلب الاعتناء بكل شفافية ووضوح بالإجراءات ذات العلاقة بتعيين القيادة الإدارية التي تقوم بالعمل التنفيذي، وهذا ما نصت عليه الفقرة (أ) في المادة الحادية شعرة من اللائحة التي تنص على مع مراعات اختصاصات الجمعية العامة، يتولى مجلس إدارة الشركة جميع الصلاحيات والسلطات اللازمة لإداراتها وتظل المسؤولية النهائية عن الشركة على المجلس حتى وإن شكل لجاناً أو فوض جهات أو أفراد آخرين للقيام ببعض أعماله، وعلى المجلس تجنب إصدار تفويضات عامة أو غير محددة المدة. ) قرارات توزيع الأرباح: ينتج عن الإدارة الرشيدة في الشركة تحقق الأهداف المرجوة من إقامة المشروعات الاستثمارية التي يتطلع إليها ملاك الأسهم التي تعد المكون الحقيقي لرأس المال لتلك الشركات الاستثمارية، وأكدت المادة الثالثة من لائحة حوكمة الشركات السعودية على أهمية حقوق المساهمين وحصولهم على الأرباح حيث نصت المادة الثالثة على تثبت للمساهمين جميع الحقوق المتصلة بالسهم، وبوجه خا الحق في الحصول على نصيب من الأرباح التي يتقرر توزيعها، والحق في الحصول على نصيب من موجودات الشركة عند التصفية، وحق حضور جمعيات المساهمين والاشتراك في مداولاتها والتصويت على قراراتها وحق التصرف في الأسهم وفي الحقيقة لقد أوضحت مبادئ الحوكمة الصادرة عن منظمة التعاون الاقتصادي والتنمية في عام 1999م، أن توزيع الأرباح لابد أن يقوم على معاملة عادلة لحملة الأسهم فالمعاملة العادلة في التوزيع هي التي تحقق الاستقرار للشركة وتحافظ على روح الود فيها، وذلك على العكس عندما يشعر الأقلية أو بعض حملة الأسهم أن هناك إزكاء لبعض حملة الأسهم على حساب الآخرين. ) رقابة الأداء: تناول المشرع السعودي أهمية الإفصاح والشفافية في تقديم البيانات والمعلومات ودورها في طمأنة المستثمر حول ما تواجهه الشركة في مجال تنفيذ المشروعات الاستثمارية وخاصة ما يتعلق بالجوانب المالية والإدارية وهذا ما نصت عليه المادة الثامنة من لائحة حوكمة الشركات السعودية التي نصت على أن الشركة تضع سياسات الإفصاح وإجراءاته وأنظمته الإشرافية بشكل مكتوب وفقاً للنظام. د. ماجد بن عبدالله الهديان - متخصص في قانون الاستثمار الاجنبي