عن (نزاهة) الفساد يحاصر عقود التشغيل والصيانة في القطاعات الحكومية، والأسباب على ذمتها الرسمية ترتبط بالعلاقات غير النزيهة بين بعض المقاولين وفروع المصالح الحكومية في المناطق البعيدة عن المركز، وعنها أيضاً، إن النتيجة بعد الوقوف على بعض العقود أظهرت أشكالاً متعددة من الإهمال والفساد، يتقدمها عدم تنفيذ الأعمال كلياً أو تنفيذها بشكل مخالف للشروط المنصوص عليها، ومع ذلك تصرف مستخلصاتها بالكمال والتمام. في جُل المسألة ودقها، الشكوى قائمة من تمرد بعض المؤسسات الرسمية على التوجيهات السامية القاضية بالتجاوب مع ملاحظات نزاهة، وعلى ذكر هذا يُحسب لنزاهة صريح اعترافها بدور المواطنين في كشف الفساد، ويُحسب لها على التوالي استقبال دعاوى الانتقام التي تمارسها بعض الجهات الحكومية ضد منسوبيها الذين يبلغون عن الفساد! ما تقدم يفسر نفسه في إكمام الانتقادات الواسعة التي وجهها مجلس الشورى للهيئة الوطنية لمكافحة الفساد وحماية النزاهة. مجلس الشورى كشف عن وجود تقاطعات في اختصاصات نزاهة مع ديوان المراقبة العامة (صاحب الاستغاثة الأولى)، وأكد غياب التنسيق بين الجهتين، وفي السياق لفت نظر نزاهة إلى ضرورة الاهتمام بالجانب الرقابي والتحقق من القضايا والمخالفات في المشاريع الكبرى، وعلاوة على ذلك ذهب بعض الأعضاء في مداخلاتهم إلى وصف إنجازات نزاهة بالقليلة والمتواضعة، وأن جهودها بيروقراطية الهوى ومشتتة في قضايا هامشية! وعن دور الهيئة في تعزيز (قيمة المواطن) دار السؤال المثير، ولحقت به استفسارات لها مغزى عن فساد المحسوبيات ومبادرات نزاهة الفعلية في كشف الفساد الذي يرى بعضهم كثرة وجوده في القطاعات بما فيها الجمعيات الخيرية والهيئات. ومع هذا الانطباع البرلماني تم قبول استغاثة نزاهة من دفن ملاحظاتها في جسرة وغطرسة بعض الجهات الحكومية المشمولة باختصاصاتها، غير أن المداخلة (المدهشة) تضمنت اقتراح وضع آلية لتنسيق الأدوار بين الجهات الرقابية. تعمدت صياغة المقدمة بأسلوب أظنه يشبه الفذلكة لتهيئة الفرصة لطرح ما تسمح به المساحة من الأسئلة، وعلى رأسها: هل مازالت على أرض الواقع اشتباكات على حدود المسؤوليات الوظيفية بين الجهات الحكومية وبهذا الحجم الذي يستفز القبة البرلمانية للمطالبة بوضع آلية لتنسيق الأدوار بين الجهات الرقابية! ألم تسبق إنشاء الهيئة دراسات تضمن عزل مهامها ومنع التداخلات معها في خطوط السلطة ونطاق المسؤوليات والعكس؟ للتذكير، عام 1435 على المشارف والمادة 15 شورى تخول للمجلس دراسة الأنظمة واللوائح واقتراح ما يراه بشأنها، هذا إلى جانب ما له من صلاحيات في تفسير الأنظمة، للمجلس أيضاً بموجب المادة 23، اقتراح مشروع نظام جديد أو اقتراح تعديل نظام نافذ. من هنا كان ومازال من المفترض وفقاً لعمر المجلس وتجربته أنه قد طوى ملف تداخلات الأدوار بين الجهات على الأقل الرقابية لما لفك الاختناقات بينها من ثقل في حماية النزاهة، ولما للتداخلات المهنية في الأصل من قدرة على إيجاد الفرص الفاسدة. الخلاصة أن الهيئة الوطنية لمكافحة الفساد وحماية النزاهة منحازة في مسعاها إلى حماية المال العام، وقد تخطئ خطاها طريق محطات الفساد الأخرى، في الوقت الذي لا تُخفي ضعفها في المواجهة وكأنها تقول (المسألة مكافحة ضد مقاومة والنتائج غير مضمونة)، على الجانب الآخر، مجلس الشورى كشف عن وجود علة (الصراع التنظيمي الأفقي)، وهو على ما أظن طبيبها ومداويها. لن أدعو مجلس الشورى للنظر في دمج ديوان المراقبة مع نزاهة، ولن أقترح دمجها مع هيئة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، وأستغفر الله أن أطالب بحلها وإسناد مهامها وتخصيص ميزانيتها لجهاز المباحث الإدارية . فقط لا غير، ألتمس من المجلس الموقر ممثلاً في اللجنة المعنية أن يعيد ترتيب أوراقه ويخضع أعمال نزاهة للعمليات الإحصائية لرصد القضايا المنجزة والعالقة والنظر في الأسباب والنتائج، ومن المناسب أن تُشرح حالات الفساد على خطوط الجغرافيا الوطنية.. الرأي العام يتوق إلى معرفة (الجهات التي تتبناه والرؤوس التي تُقاوم مكافحته وعن الأحكام العقابية يسأل ويسأل). الخاتمة، إذا كان من دواعي القلق أن تدور عجلات الفساد على مساحة من واقعنا. فإنه من سوء الطالع أن تُبرد التوجيهات العلياء القاضية بمكافحته في دهاليز الوظيفة العامة، والسوء الأكثر أن تراوح هذه القضية الوطنية المزعجة في مكانها لإنتاج الإحباط بهدوء وتصعيده في الشارع السعودي بقوة.