من فضائل الخلق النبوي الشريف ومآثره النأيُ عن الجدل، ورفض الملاسنة، وإيذاء الآخر وإن كان على خطأ.. بل التوجيه بالحسنى، والتهذيب بالقدوة.. من أجل ذلك جُعل الرفق مَحمدة، وجُعلت الغلظة مُنكَرة.. وغدا عند الله تعالى أكثر قرباً للجنة أولئك الرفقاء الذين إن عنَّ لهم واجب النصح، والتصويب فبأرفع الألفاظ وأنقاها، ولا أكرم للمرء من أن يتبع قدوة الخلق محمد بن عبدالله عليه الصلاة والسلام في رفقه، وهدوئه، وخلقه العظيم، ومختصر قوله، وحجة منطقه.. وهو الذي إن بلغ به الغضب احمرّ وجهه، ولم يبذأ في قوله.. فالجدل باب للزلل، ومن ثم للإيذاء، وإن خالطه غضب وحمية للرأي انقلب لصراع وخيم، عقيم، بخروج المجادل عن الجادة، فلا غاية يبلغ، ولا نجاة يحقق.. وفي وقتنا الراهن كثر الجدل، في كل الأمور بما فيها الاختلافية التي لا يتفق عليها الجميع لكنها غير منبتة..، وقائمة في سلوك الناس على اختلاف السلوك بما فيه الرأي، والفعل.. وفيه أيضاً كثر الخلاف، وبه فتحت أبواب الجدل، ومكنت وسائل التواصل من مد فتائلهما وإشعال مواقدهما..و لأن قلة ممن يختلفون فيتبعون منهج الاعتزال، والغالبية يختلفون فيشعلون ساحات النزال..! والأمر لم يقف على العامة من الناس فحسب، فيبرر لهم خوضَهم هذا المنحى تواضعُ علمهم، وشح خبراتهم، بل امتد فنال حياض العلماء، وساهم فيه خاصتهم فغبَّروا الأجواء.. إن بين الصواب، والخطأ يضلُّ الجاهلون.. وإنه الوقت لتُحسم فيه أمور الجدل، وتُسد أبوابها، وتُشرع أبواب الرفق، وتُزرع بذورها.. وثمة ما تقتضيه مطالبات الناس بقبول الآخر، فتكون أول هذه السلمة هو تواضع العارفين، وتجنبهم الجدل، وتنزههم عن الإيذاء، وتقديم ما عندهم من العلم بروية، وسلامة سواء في اللفظ، أو حسن التوجيه، والرفق في الخلاف. فقد لوحظ الانفراط في الجدل على غير ما تدعو إليه فضائل الأخلاق، ويمثّله سلوك سيد من يقتدى به في تفاصيلها محمد بن عبدالله عليه الصلاة، والسلام، كما اقتدى به من قبل خلفاؤه الراشدون رضي الله عنهم... أفلا يغلقون مضامير الجدل، وقد اتسعت..؟، ويلجمون ألسنتهم، ويحبسون نزعاتهم، ويخاطبون بعضهم بالتي هي أحسن..؟ ليسود الرأي، والرأي المخالف في تبادل مهذب، وتعبير رفيق..، هما أول شواهد الخلق النبيل..؟!