نتحدث كثيراً عن توازن الذات الداخلية مع المحيط الخارجي، ونُكثر ونُكرر ماذا يعني أن يحوي الداخل من التوازن والمصالحة مع الذات قولاً وفعلاً؟ وهذا ما يغيب عن كثير من الأفراد. إن القناعات التي يؤمن بها الفرد لها تأثير كبير في حياته وقراراته ومعيشته واحتكاكه وتعامله مع الآخرين. إن صح الداخل وحوى النضج الروحي والنفسي والفكري مع الأفعال والسلوكيات في الحياة بشكل عام وخاص نجح الإنسان في السير بطريق مشع بالنور والوضوح، طريق منهجه واضح وصريح، لا يخاف لومة لائم، ولا يقلق من غضب الآخرين. الضروري أن تكون هذه القناعات والمفاهيم والمبادئ، متوازنة ومتواكبة مع المنهج السليم، الذي يتوافق مع كل القوانين الكونية التي أوجدها الله -سبحانه-، ووضعها في كتبه السماوية، التي حثت الأفراد على المحبة والسلام وحُسْن الظن، وأقرت العدل والسعي والعطاء والتعايش مع بعضهم، ونبذت الضغينة والفرقة وسوء الظن والتجني والظلم، وجعلت كلمة الله هي العليا، وأعطت أيضاً حرية الاختيار، فلم تجبر أحداً على اختيار طريق أو مسلك أو منهج، بل وضَّحت أن كل إنسان مسؤول عن اختياراته في الحياة، وأنه هو الوحيد من سيحاسب ويعاقب. ظهور الشيخ أحمد الغامدي مع زوجته، في وسط مجتمع تقليدي، تحكمه العادات والتقاليد، لم يكن شيئاً سهلاً، بل يدل على مدى وضوح رؤية الشيخ أحمد الغامدي، وتوازنه بين ما يقوله ويفعله في حياته، ويدل أنه مؤمن بكل كلمة ينطق بها. بعضهم يكثر الحديث والتنظير من كل التيارات، وعندما يأتي على أرض الواقع لا تجد أحداً فعلاً، وهذا معيب على الذات الإنسانية، التي تُظهر ما لا تبطن، ويا ليتها التزمت الصمت، هناك من يتحدث ويتكلم وعندما يأتي على أرض الواقع تجده كالغبار لا أثر له، فقط زوبعة أضلت الطريق، وهذا يدل أن هناك صراعاً داخلياً عميقاً تغلفه أنفسهم. ليس بضرورة أن ننهج منهج الشيخ أحمد الغامدي، لكن نكنُّ له الكثير من الاحترام والتقدير؛ لأنه كان مثلاً حياً وواضحاً وصريحاً في زمنِ تلون الوجوه والملامح، وطغت المصالح على حقائق جذرية، نجد فيه تطابق الداخل مع الخارج، تطابق الأقوال مع الأفعال، وهذا نادر الحدوث في مجتمعاتنا العربية. توازن الذات شيء مهم، ولاسيما عندما يلازم ذلك قوة الإدراك والوعي في مفهوم الحياة الإنسانية، عن طريق توسع الأفق والبحث والاجتهاد على مر العصور، هذا البحث والاجتهاد لا بد من أن يقوم على مراجع علمية ودينية وتاريخية حقيقية وصريحة، من دون أن نطمس شيئاً، أو نركز على شيء آخر، بحسب الأهواء أو المصالح. الاختلاف أمر مهم جداً ويعتبر طبيعياً، بل هو من سمات الحياة، لا بد منها في الطبيعة الإنسانية، التي هي تواقة إلى العلم والمعرفة وإثبات الوجود الإنساني بكل الأزمنة، الماضية والحاضرة، التي تقوم على المعرفة والبحث والتقصي والقياس والتجريب والتبديل والمقارنة، طبيعة بشرية تتنافر ثم تتجاذب ثم تتعايش، وكل منها له منهجه الخاص به، يحتمل الصواب والخطأ. المعيب، عندما نتجاوز هذا الاختلاف بطريقة سطحية، تقوم على الهمز واللمز والشتائم القاسية، ونتراجم بأقسى العبارات الجارحة، من دون أن يتم النقاش والحوار بطريقة سليمة وموضوعية راقية، وإنسانية بعيدة عن التسطيح والتجريح والتحقير؛ لأن هذه الأساليب الضعيفة تُعطي انطباعاً لمستخدميها أنهم يخافون شيئاً «ما»، أو أنهم يجهلون فعلا ًالحقيقة، فلا يعلم سرائر الأفراد غير الله -عز وجل-.