حددت الأمم المتحدة الثامن عشر من شهر ديسمبر يوما عالميا للغة العربية، ومع أن هذه المنظمة الدولية لم تحل يوما ما مشكلة عربية، فإنه يحمد لها الاهتمام بلغة العرب، في وقت غفل فيه أصحاب اللغة ومتكلموها عن الاهتمام بها، وجدير بالذكر أن اللغة العربية هي إحدى اللغات الرسمية لهذه المنظمة بمعنى أنه يمكن لأي مسؤول عربي أن يخطب بها في أروقة الأمم المتحدة ومؤتمراتها ولجانها ومجالسها، وتقوم المنظمة بترجمة ما يقال إلى أهم اللغات العالمية. بالطبع، أكثر العرب لا يعرفون هذا اليوم ولا يحتفلون به، فهذا أمر لا يعنيهم أو على أقصى تقدير، هي مسألة تهم المتخصصين باللغة العربية فقط. مع أن لغة أي قوم هي عنوان هويتهم، وليتنا نتخذ من الذين يخدمون لغاتهم قدوة، حيث جعلوها لغة العلوم والفنون والتدريس في جامعاتهم. يصعب على المرء أن يعدد في مقال موجز، وفي سطور معدودة، جرائم العرب في حق لغتهم، وهي تختلف بلا شك عن أي لغة في العالم، فهي لغة قرآنهم الكريم، وبدونها لا يفهم المرء دينه، ولا يمكن أداء بعض شعائره، عكس الديانات والملل الأخرى. فالإنجليزية أو الفرنسية أو الألمانية أو الإسبانية، لا محل لها في ديانات الناطقين بها. الجرائم كثيرة وكلنا آثمون في حق اللغة العربية. ومن العجيب أن نجد عشرات الفضائيات العربية الرسمية وغير الرسمية تتخذ من اللغات الأجنبية اسما لها، ولو سألت مشاهدا واحدا عن معنى أي منها ما أجابك ولو عرف ما استعمل المقابل العربي على الإطلاق. وهناك برامج اتخذت من اللغة الإنجليزية اسما لها اختلف المفسرون حوله، كلها برامج عربية مئة بالمئة ولكن إمعانا في تغريب العقل العربي، وهدما للشعور القومي، اتجه أصحاب هذه البرامج ومعدوها بالتواطؤ مع مقاولي الفضائيات إلى التسميات الأجنبية. وليتنا أخذنا عن الأجانب وسائل تقدمهم وحضارتهم التكنولوجية!! أما عن وسائل الإعلام المقروءة فحدث ولا حرج. أتحدى أن تكون هناك صحيفة عربية واحدة تخلو من الأخطاء القاتلة والفاحشة في اللغة العربية. فلا فرق عند مصدريها ومحرريها بين همزة الوصل وهمزة القطع، وعناوينها الكبرى (مانشيتاتها) أكبر دليل على ذلك. والنشرات الإخبارية في القنوات العربية الرسمية والخاصة هي جرائم مع سبق الإصرار والترصد في حق اللغة العربية، لم أجد مذيعا واحدا في أي قناة عربية، لا يلحن في قراءة نشرة الأخبار التي من المفترض أن تكون بلغة عربية سليمة، لأنها موجهة إلى العرب جميعا. والطامة الكبرى عندما يتدارك المذيع ما وقع فيه من خطأ لغوي فيقول بعد الخطأ أو كذا، ثم يذكر الصواب مع أن أو تفيد التخيير أي أن الكلمتين صواب وللمشاهد أن يأخذ بإحداهما، بدلا من أن يقول: عفوا، ويصحح ما وقع فيه من خطأ. ارجعوا إلى سيرة أدبائنا القدامى في المملكة في مصر، في الشام، في كل بلد عربي، ستجدون أنهم امتلكوا ناصية اللغة، ونموا الذائقة اللغوية عندهم، بفضل (الكتاتيب) التي علمتهم القرآن وهم في مراحل الطفولة، ولن أتحدث عن معلمي اللغة العربية في مدارسنا، فوقانا الله ووقى أطفالنا شرور لحنهم وتدميرهم للغة العربية.