كان هذا السؤال الأهم طوال الأشهر الماضية سعودياً وخليجياً وعربياً ودولياً، وبقدر الاتفاق على السؤال فقد تعددت واختلفت المقاصد من وراء السؤال فهناك من هدفه معرفة الإجابة الصحيحة أو الأصح بحُسن نية، وهناك من يتظاهر بالغيرة على السياسة الخارجية السعودية ويبطن التشكيك أو الشماتة، وكلما زاد الموقف السعودي الرسمي غموضاً ازدادت علامات الاستفهام ارتساماً، وبسبب الوقت فقد تتم محاولة الإجابة عن السؤال في مقال قادم، لكن تسارع الأحداث يفرض طرح مُقترحات وتوصيات لمُتخذ القرار في المملكة وهي نتاج حضور عدد من المؤتمرات ومُتابعة شخصية وتحليل وخلاصة لقاءات عديدة واستشارة عدد من المختصين من الأصدقاء اليمنيين وأنقل خلاصتها هنا كخارطة طريق مقترحة: على الرياض قراءة الوضع في اليمن بشكله الواقعي الميداني والموضوعي بعيداً عن التهويل أو التهوين، والتعامل معه حسب المراحل التي يمر بها، ويفترض أن لا تتعامل السياسة الخارجية مع انتظار نتائج المآلات والسيناريوهات المحتملة، بل الأفضل العمل على التأثير مباشرة على الأحداث وبسرعة معقولة دون أي تأخير غير ضروري. وضع إستراتيجية واقعية جديدة للتعامل مع الوضع في اليمن، تقوم على تجاوز أي قصور في الماضي القريب، وتوقع أسوأ السيناريوهات المحتملة ومواجهة حقيقة أن هناك واقعا يمنيا جديدا اختلفت فيه قواعد اللعبة القديمة وظهر فيه لاعبون ومؤثرون جدد وأساسيون وغالبهم ليسوا أصدقاء. التركيز على دعم المشروع الوطني للدولة اليمنية، فالمهم أن تحكم الدولة ولو على نحو متدرج، لا أن تحكم أي جماعة أو مليشيا موالية لإيران أو لغيرها، لأن التعامل مع الدولة سيُفوِّت كثيراَ من الفرص على التدخلات الأجنبية ويمنع تنامي المافيا السياسية. عدم المراهنة على انفصال الجنوب؛ لأن الجنوب غير متماسك سياسياً ولا عسكرياً ولا اجتماعياً ولا تاريخياً وفي حال انفصال الجنوب ستكون القاعده هي الرابح الأول وكذلك إيران والتي تدعم بهذا الاتجاه. محاولة العمل على أكثر من مسار فبالإضافة للمسار الدولي (الأمم المتحدة) والمسار الخليجي، لكن يجب أن يكون هناك مسار سعودي مستقل مع البحث عن شريك يمني موثوق ومناسب على الأرض. البحث عن نقاط قوة جديدة في اليمن، وعدم الاعتماد على مجرد العلاقات ببعض الشخصيات السياسة والعسكرية والقبلية التي لم يعد لها نفوذ حتى في أوساط أهلها ومريديها. الفصل بين التعاطي السياسي، والنشاط المذهبي، والقناعة بأن المسألة المذهبية في اليمن –حتى اللحظة- لا تشبه أخواتها في العراق أو سوريا أو لبنان، وأهل السنة كما الزيدية في اليمن قادرون على حماية أنفسهم بأنفسهم إذا تم تغيير قواعد اللعبة . مد جسور التواصل مع البيئة الحاضنة للحوثيين، والمقصود هنا «الزيدية» ففيها الكثير من الرافضين للمشروع الإيراني، وهي القادرة على التأثير الفعلي، ولا يزال للسعودية فيها صلات حسنة يُمكن إحياؤها. كسب واستقطاب جميع سكان المناطق المحاذية للحدود قدر الإمكان فهم المتضررون من أي توتر سعودي- يمني، وهم اليوم من يسعى لكسر العزلة التي فرضت عليهم بسبب التوتر الحدودي قبل أعوام. التركيز على كل ما من شأنه أن يحسن علاقة المملكة بالناس وليس بالنُخب السياسية، وتغيير آلية تقديم المساعدات بالطريقة التقليدية وفرض شروط واضحة على أية مساعدات جديدة. حتى في حالة زيادة قدرة الحوثيين فيجب عدم الدفع -ولو مؤقتاً- بعزل اليمن عن محيطه العربي جغرافياً واقتصادياً لأن هذا سيكون له انعكاسات سلبية على المنطقة بأسرها، وهو مما سيستثمره الحوثيون والإيرانيون لكسب جمهور إضافي لجانبهم. التفكير الجاد في إمكانية تفويت الفرصة على الإيرانيين بتحسين العلاقة مع جميع التيارات السياسية والدينية المعتدلة، وهذا أفضل بكثير من التفكير بسياسة المجابهة التي قد تخلق حالة من التحدي والبطولات، خصوصاً عند من ليس لديه ما يخسره. الوضع في الاعتبار أنه وباستثناء مناصري الحوثيين فالشعب اليمني بات منقسما على نفسه وكل فريق يريد أو يتوقع من المملكة أن تقف وتتبنى سياسات مغايرة لما يريده أو يتوقعه الفريق الآخر، وعوامل قلق اليمنيين تتمثل في الخوف من تزعزع الوحدة، الانهيار الاقتصادي، الانهيار الأمني والحرب الأهلية وهذا يتطلب سياسات غير تقليدية من الرياض. إعادة طريقة التعامل مع اليمن بعيداً عن العمل الدبلوماسي التقليدي فالوضع اليمني أكبر من أن يُدار عبر الدبلوماسية التقليدية وما يُفترض هو إنشاء هيئة سياسية خاصة تتولى التعامل مع الملف اليمني وتنسقا مباشرا مع الوزارات السيادية المشرفة على العلاقات مع اليمن، وذلك لضمان البعد عن البيروقراطية والمرونة وتوفير خيارات خلاّقة ومتغيرة حسب المستجدات. يُمكن الاستفادة من مئات القدرات السياسية والاقتصادية والدينية والروحية لدى المغتربين اليمنيين سواء من المواطنين السعوديين من أصول يمنية أو من اليمنيين المقيمين. وللحديث صلة.