توقع محللون مختصون في سوق النفط العالمية أن تشهد أسعار النفط بعض التعافي خلال الأيام القليلة المقبلة، بعد وصولها إلى أدنى مستوياتها في خمس سنوات . وظهرت بوادر تحسن الأسعار في التعاملات على خام القياس العالمي مزيج برنت الذي صعد إلى نحو 63 دولارا، فيما زاد الخام الأمريكي تسليم كانون الثاني (يناير) المقبل 69 سنتا إلى 58.50 دولار للبرميل بعدما هبط إلى 56.25 دولار في وقت سابق من جلسة أمس وهو أدنى مستوى يسجله منذ أيار (مايو) 2009. وأرجع محللون آخرون التعافي الذي ظهر أمس، إلى أسباب من بينها عمليات شراء بهدف المضاربة ورد فعل لأنباء بإغلاق ميناءين نفطيين كبيرين في ليبيا بسبب اشتباكات بين فصائل مسلحة موالية للحكومتين المتنازعتين في البلاد. وقال لـ"الاقتصادية" هنري حافظ رجل الأعمال اللبناني: إن تراجع أسعار النفط لن يستمر طويلا لأن ما يحدث هي ظروف عابرة للسوق، وسبق أن تعرضت سوق النفط لهزات كبيرة وتدني الأسعار واستعادت عافيتها بعد تحسن المناخ الاقتصادي الدولي وانتهاء تأثير بعض العوامل الطارئة. وأوضح أن المخزون والفوائض المالية في دول الخليج سيحميان اقتصاداتها ويمكنانها من مواجهة الأزمة وسيستعيد النفط مستواه، مشيرا إلى المنافسة الحالية ستكون في مصلحة المنتجين التقليديين على المدى الطويل وسينسحب الوافدون من المنافسين الجدد. وأضاف أن ما حدث من تهاوٍ للبورصات هو نتاج عوامل نفسية، مبينا أن البورصة المصرية على سبيل المثال هوت بسبب الخوف من تراجع الاستثمارات الخليجية كما أن إعلان الكويت وجود خسائر في الميزانية بنحو تسعة مليارات دولار زاد من تأثير المخاوف. وقال: إن الاقتصاد والسياسة وجهان لعملة واحدة ولا يمكن إغفال العامل السياسي في الوضع الاقتصادي الراهن، خاصة إذا أخذنا في الاعتبار الهبوط السريع والحاد لأسعار النفط بشكل يثير الدهشة وبلغ نحو 50 في المائة في أشهر قليلة. وأضاف أن خلاصة المشهد الراهن سببها أن هناك ارتفاعا في المعروض وهبوطا قياسيا للأسعار مع وجود متضررين يضغطون من أجل الحفاظ على اقتصاداتهم من الانهيار وهناك صراع إرادات للحفاظ على الحصة في الأسواق العالمية. وكانت منظمة الدول المصدرة للبترول "أوبك" أعلنت أمس، أن سعر سلة الخام قد واصل عملية الانخفاض الجمعة ليسجل 58.65 دولار للبرميل مقابل 60.50 دولار للبرميل في اليوم السابق. وقالت المنظمة في بيانها اليومي: أن سعر السلة الذي يضم متوسط لأسعار 12 خاما للدول الأعضاء فقد الجمعة قرابة دولارين، فيما يزيد على قيم الهبوط اليومي السابقة ليواصل عملية انخفاض مستمرة وسريعة منذ بداية تعاملات الشهر، التي سجلت 66.44 دولار للبرميل لتفقد السلة قرابة ثمانية دولارات في أسبوعين. في المقابل، ارتفعت عقود النفط الخام الأمريكي أمس، تصحيحا بعدما سجلت عند الافتتاح أدنى مستوى في خمسة أعوام ونصف وارتدت عقود برنت من أدنى مستوى منذ 2009 مع تغطية مراكز مدينة بالتزامن مع توقعات توقف الإنتاج الأمريكي عن تسجيل مستويات قياسية مع مخاوف بشأن الإمدادات الليبية، وسجلت الأسعار مستويات أدنى جديدة في ظل وفرة المعروض العالمي في مقابل ضعف الطلب. من جانبه يقول مضر الخوجة الأمين العام للغرفة التجارية العربية النمساوية لـ"الاقتصادية": إن منظمة أوبك أخذت القرار الصحيح بالإبقاء على سقف الإنتاج عند 30 مليون برميل يوميا، مشيرا إلى أن أوبك ليس اللاعب الأوحد في سوق النفط العالمية بل على العكس تراجعت حصتها إلى ثلث الإنتاج العالمي فقط وبالتالي ليس من العدل أن نحملها وحدها المسؤولية عن تراجع الأسعار. وأشار الخوجة إلى أن "أوبك" إذا أقدمت على خفض الإنتاج ستقوم روسيا بزيادة الإنتاج وتعويض قيمة الخفض وبالتالي لن تتأثر الأسعار وستفقد أوبك فقط حصتها في السوق. وأضاف أن زيادة المعروض في أسواق النفط من المؤكد سيكون له مردود إيجابي على السوق، حيث ستشتد المنافسة ولن يصمد إلا الأقوياء وسيخرج الخصوم الأضعف. وشدد على أن الفترة المقبلة لا بد أن تشهد بشكل مكثف وعاجل التنسيق بين "أوبك" ووكالة الطاقة الدولية، لأن ذلك يعني ضبط السوق وإحداث نوع من التقارب والتفاهم والتنسيق بين المنتجين والمستهلكين وهو ما تم اقتراحه بالفعل خلال اجتماعات قمة العشرين أخيرا في أستراليا. وأشار إلى أن الظرف الاقتصادي الراهن يفرض أيضا ضرورة أن تلتزم جميع الدول المنتجة بإعداد ميزانياتها وفق مستويات منخفضة لأسعار النفط تحسبا لتقلبات السوق وهو أمر متبع في دول الخليج ولكنه غير متبع لدى منتجين آخرين يواجهون أزمة كبيرة حاليا خاصة روسيا وإيران وفنزويلا. وتقول أمريتا انج لـ"الاقتصادية" المحللة السنغافورية: إن بعض الدول تعتمد على النفط بنسبة تصل إلى 90 في المائة من ناتجها القومي، وهنا تتفاقم الأزمة وقد تؤدي إلى عجز الميزانية وتباطؤ النمو وتعطل مشاريع التنمية . وأوضحت أن الأشهر المقبلة ستحدد مدى النمو على الطلب خاصة في فصل الشتاء الذي يتنامى فيه الاستهلاك في نصف الكرة الشمالي ويزداد الاحتياج إلى النفط ومدى انعكاس ذلك على تحسن الأسعار . وأشارت إلى أن البعض يتحدث عن تنامي إنتاج النفط الصخري باعتباره المسؤول عن أزمة تدني الأسعار ولكن لا شك أن هناك عوامل سياسية واقتصادية أخرى وربما يكون دخول النفط الصخري قد منع ارتفاعا حادا كان يتوقعه البعض لسعر برميل النفط التقليدي، الذي رشحه البعض لأن يصل إلى 150 دولارا وهو ما لم يكن في مصلحة الاقتصاد الدولي وكان سيسبب أزمات حادة للدول المستهلكة. وبينت أن هناك من يعتبر أن تراجع الأسعار ليس أمرا مؤقتا وإنما تغير استراتيجي في سوق النفط بهدف إيجاد وضع نفطي جديد للسوق قائم على الأسعار المنخفضة والإنتاج الوفير، موضحة أن السوق تشهد حاليا حالة من صراع الإرادات وربما سيشهد الصيف المقبل صعوبة أكثر للموقف في ضوء رفع محتمل للعقوبات على إيران وقلة استهلاك النفط. وأشارت إلى أهمية اتخاذ خطوات نحو رفع الدعم عن المحروقات والكهرباء في بعض الدول المنتجة وتنويع اقتصادياتها وضبط الإنفاق العام وترشيد الميزانيات، موضحة أنه ربما يساهم انخفاض أسعار الطاقة الحالي في تحفيز النمو في الدول الصناعية، ما يرفع الطلب مستقبلا. وقالت: إن التراجع الحالي سيساهم أيضا في بعض الإيجابيات للدول المنتجة ومنها أضعاف منافسة الطاقة البديلة وإضعاف النفط منافسة النفط الصخري الذي يتسم بارتفاع تكاليف الإنتاج، كما سيؤدي الوضع الراهن إلى أن تقوم الدول المنتجة بإعادة حساباتها في إدارة الموارد المالية والتوقف عن الهدر في هذه الموارد.