لا تزال مفاوضات تحرير العسكريين اللبنانيين المختطفين متوقفة رسميا منذ إعلان الخارجية القطرية سحب وسيطها الأسبوع الماضي، بانتظار صدور بيان عن الجهات الخاطفة تتعهد فيه بوقف عمليات القتل لانطلاق عجلة التفاوض من جديد. وتتولى «هيئة العلماء المسلمين» حاليا الوساطة مع تنظيمي «جبهة النصرة» و«داعش»، بتكليف من وزير الداخلية نهاد المشنوق، لإصدار البيان المنتظر، إلا أن توقيف مخابرات الجيش زوجة شقيق القيادي في «داعش» أبو علي الشيشاني قبل يومين عرقل تقدم الأمور، حسب عضو «هيئة العلماء المسلمين» الشيخ عدنان أمامة. وقال لـ«الشرق الأوسط»: «المطلوب تهيئة أجواء إيجابية لإنجاح المفاوضات من خلال ضبط إيقاع كل الأجهزة الأمنية والقضائية والسياسية والعسكرية، وتفادي تبيان أن هذه الدولة لا رأس واحد لها بل أجنحة متعددة، مما يؤدي إلى انعدام الثقة بين الطرفين اللذين يفترض أن يتفاوضا؛ أي الخاطفين والدولة». وكانت «هيئة العلماء المسلمين» تقدمت بمبادرة تطالب بالإفراج الفوري عن النساء والأطفال، مقابل الدخول في وساطة مع الخاطفين لوقف عمليات القتل، وعقدت لهذا الهدف لقاءات عدة شملت رئيس الحكومة تمام سلام، ووزيري الداخلية والعدل نهاد المشنوق وأشرف ريفي. وهي لا تزال تنتظر تكليفا رسميا من الحكومة بالملف. وأثار الموقف الأخير الذي أطلقه المشنوق والذي أكد بموجبه أنه «لا مفاوضات مع خاطفي العسكريين اللبنانيين، قبل أن يصدر عنهم بيان واضح لا لبس فيه بوقف قتل العسكريين»، مخاوف أهالي العسكريين من اعتبار الخاطفين إياه استفزازيا، مما يؤدي إلى إعدام أحد العسكريين. وفي هذا الإطار، أكد عضو لجنة متابعة موضوع العسكريين الرهائن الشيخ عمر حيدر لـ«الشرق الأوسط» تأييده موقف المشنوق، قائلا إنه «يجب ألا تجري المفاوضات على حد السكين، إلا أنه وفي الوقت عينه نتخوف من أن يعتبر الخاطفون هذا الموقف استفزازيا». وكان وفد من أهالي العسكريين المخطوفين التقى رئيس «الحزب التقدمي الاشتراكي»، النائب وليد جنبلاط، من أجل «تأكيد تبني الأهالي موقف جنبلاط والعمل معه لحلحلة العقد الموجودة في ملف المفاوضات». وأشار الشيخ حيدر إلى أن الأهالي يريدون أن يستمر النائب جنبلاط والوزير أبو فاعور «في مساعيهما الخيرة بالملف باعتبارهما نجحا في حقن الدماء وأخرا عملية إعدام الشهيد علي البزال»، وقال: «لقد طالبنا الدولة بأن يكون لأبو فاعور الدور الأساسي إلى جانب المكلف من قبلها الملف، المدير العام للأمن العام اللواء عباس إبراهيم، على أن يكون هناك أيضا دور لـ(هيئة العلماء المسلمين) التي لها أياد بيضاء في الملف». وقد أدى تشعب الأطراف المفاوضة في الفترة السابقة إلى فشل المفاوضات وتوقفها بعد إعدام 4 من العسكريين المختطفين منذ أغسطس (آب) الماضي، على خلفية المعارك التي شهدتها بلدة عرسال الحدودية (شرقا) بين الجيش وتنظيمي «النصرة» و«داعش». وقال تلفزيون «الجديد» أمس، إن «(النصرة) و(داعش) فوضا وسيطا جديدا لإجراء المفاوضات لإطلاق سراح العسكريين، ويدعى الوسيط الشيخ وسام المصري، الذي تسلم مطالب التنظيمين الأسبوع الماضي وقام بتسليمها بدوره إلى ضباط في الاستخبارات لإيصالها للحكومة اللبنانية، لكنه لم يتلق أي رد حتى الآن»، وهو ما لم تأكده مصادر رسمية. ولبى العشرات أمس (الأحد) دعوة أهالي العسكريين لوقفة تضامنية وسط بيروت في ذكرى مرور أسبوع على إعدام «النصرة» الجندي علي البزال. وقد تخلل الاعتصام إشكال بين الأهالي، الذين رفض عدد منهم لقاء ناجي غاريوس النائب في تكتل «التغيير والإصلاح» الذي يرأسه الزعيم المسيحي ميشال عون، فكرة إلقاء كلمة من قبله، متهمين التكتل برفض مبدأ مقايضة العسكريين بموقوفين ومحكومين في السجون اللبنانية، وهو ما يعطل برأيهم المفاوضات. وبعد هرج ومرج، تمكن غاريوس من إلقاء كلمته التي شدد فيها على أن «الحكومة هي المسؤولة عن ملف العسكريين الرهائن، ومن ثم يجب أن تبحث في هذا الملف بطريقة غير علنية»، داعيا لـ«انتقاء موفد واحد ليحاور بطريقة غير مكشوفة». بدوره، طالب ممثل المجلس الشيعي الأعلى الشيخ عباس زغيب، الحكومة، بـ«موقف موحد بعيد عن المناكفات السياسية ليجعل من خلية الأزمة خلية واقعية لا أزمة خلية»، داعيا للقبول بمبدأ المقايضة «إن كان ذلك يعيد العسكريين إلى أهاليهم». وناشد زغيب «المسؤولين الذين ليسوا على قدر المسؤولية لحماية أبنائهم وجيشهم» مغادرة السراي الحكومي.