خادم الحرمين الشريفين الملك عبدالله بن عبدالعزيز أجرى تغييرا وزاريا يعتبر الأضخم في عهده، وكان هذا متوافقا مع الأنفاس الأخيرة لسنة 2014، أو في يوم الاثنين 8 ديسمبر، وطالت التغييرات استبدال ستة وزراء في حقائب: الشؤون الإسلامية، والاتصالات وتقنية المعلومات، والشؤون الاجتماعية، والتعليم العالي، والزراعة، والنقل، بجانب تعيين وزيرين لوزارتي الثقافة والإعلام والصحة، وكلتا الوزارتين كانتا تداران بالتكليف المؤقت من قبل وزيري العمل والحج. من يقرأ سير الوزراء الجدد سيلاحظ أن مؤهلاتهم بعيدة نسبيا عن مناصبهم، فوزير الصحة دكتور في الكيمياء، ووزير التعليم العالي دكتور في علوم الحاسب الآلي، ووزير الزراعة يحمل درجة البكالوريوس في الهندسة المدنية، وأشير إلى خبراته المحلية والدولية في مجال الزراعة والأغذية، ووزير النقل حاصل على بكالوريوس في الهندسة المدنية من جامعة محلية، وانتقل إلى الوزارة من أمانة منطقة الرياض، وسبق أن عمل وكيلا لوزارة النقل ورئيسا لشركة النقل الجماعي، ووزير الثقافة والإعلام دكتور في التخطيط الاستراتيجي، واستلم مراكز قيادية في إمارتي عسير ومكة المكرمة وووزاتي الشؤون البلدية والتربية والتعليم، ومؤهله الإعلامي مقالة أسبوعية يكتبها في صحيفة «الاقتصادية»، وهو لا يختلف كثيرا عن الوزير السابق لنفس الوزارة الدكتور الجميل عبدالعزيز خوجة، فقد كان دكتورا في الكيمياء وديبلوماسيا بارعا ومهندس كلمات متمكنا، ووزير الصحة دكتور كيمياء ومدير جامعة سابق، ووزير الاتصالات وتقنية المعلومات دكتور في الإدارة العامة، وانتقل إلى الوزارة بعد أن كان مساعدا لرئيس مجلس الشورى، ووزير الشؤون الاجتماعية لديه ماجستير في إدارة الأعمال، وعمل في مجال التأمينات الاجتماعية، وفي قطاع البنوك وشركات الإسمنت والفنادق والسياحة، ووزير الشؤون الإسلامية أستاذ دكتور في الفقة المقارن، وانتقل إلى الوزارة من جامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية، والرجل عصامي تدرج في وظائف الجامعة الأكاديمية حتى وصل إلى رئاستها، وكل الوزراء ــ باستثناء وزيرين ــ تخرجوا في جامعات أوربية وأمريكية. هؤلاء الوزراء لم يتسلموا حقائب وزارية في فترات سابقة، وإن شغل بعضهم مرتبة معالي، ولا توجد مناقلة بينهم وآخرين، والوزارة منصب سياسي يرتبط بإمكانات الشخص القيادية وبمعايير خاصة، ثم يأتي التخصص أو المؤهلات العالية في مرتبة أقل أهمية، والصحيح أن معارفهم وخبراتهم المختلفة ستضيف لمهامهم بعدا مطلوبا، وهذه الوظيفة الرفيعة تجعل الشخصية الإدارية لصاحبها مكشوفة تماما أمام الناس، وخصوصا في الوزارات الخدمية، ولن يمر وقت طويل قبل أن يتم التمييز بين الوزراء، ويعرف الفارق بين أصحاب الفلاشات وأصحاب الإنجازات، وأعتقد أن السنة الأولى كافية جدا، ولأنهم وزراء لأول مرة سيحاولون إثبات الأحقية وتأكيد التفوق وتحسين أعمال وزاراتهم، والمستفيد هو المواطن بالتأكيد. شاهدت وقرأت مقابلات مع وزراء الإثنين الأبيض ــ إن جاز التعبير ــ ويبدو أن مجموعة من الوزراء قد جهزوا خططا مبدئية، فوزارة أبا الخيل ستعمل على تكريس خطاب إسلامي متسامح يعزز قيم المواطنة الصالحة، ويخلص منابر الجمعة وحلقات المساجد من أمراض التطرف والتحريض، ووزارة السبتي مهتمة بفكرة التحول الكامل إلى مجتمع المعرفة وتطوير التعليم بالاستفادة من برنامج خادم الحرمين الشريفين للابتعاث، ووزارة آل هيازع ستحرص على تقديم الخدمات الصحية المناسبة لكل من يحتاجها في مناطق المملكة ومحافظاتها ومراكزها وبدون تفرقة، ووزارة الخضيري ستهتم بالإعلام الجديد، وستبحث أبواب الاستثمار في هذا الباب بما يخدم أهدافها، وأضيف إليها الإعلام الخارجي الذي يمشي على عكاز، ووزارة الحمد ستضع التعاملات الإلكترونية أو الانتقال إلى تطبيقات الحكومة الإلكترونية على رأس أولوياتها، وما زال موقفه مبهما من شركات الاتصالات وعنترياتها، والحمد معروف بأنه يميل إلى السكوت والكلام القليل من أيام مجلس الشورى، وأتوقع اهتمام وزارة المقبل بالنقل العام، وتركيز وزارة الحميد على الجمعيات الخيرية ومداخيلها المرتفعة والمشبوهة، وأن تعيد وزارة الخريجي القضية الزراعية إلى الواجهة بعد أن تركت مهملة على الرف لمدة طويلة. يجوز أن الخطوط العريضة واضحة أمام الوزراء الجدد، والمفروض ــ في رأيي ــ أن يحضر كل وزير فريقه الذي يفهم طريقته ولا يتعب معه؛ لأن من يدير الأعمال اليومية في الوزارات أشخاص تدرجوا في السلم الوظيفي، ووصلوا إلى مناصب قيادية، وربما رأى بعضهم أنه أحق من الوزير بالمنصب، وهم يعرفون مداخل النظام ومخارجه، والشأن الإداري في الوزارة تحت سيطرتهم، ويستطيعون إقناع الوزير أو توريطه ما لم ينفذ رغباتهم، والقاعدة ليست عامة بالتأكيد، والأفضل نقل هؤلاء عن أماكن صنع القرار في الوزارات أو تدويرهم؛ لأنهم أخذوا الفرصة الكافية ــ في الغالب ــ واستبدالهم بكفاءات جديدة وشابة، أو بمؤهلين واستشاريين من الخارج، وبناء صف ثانٍ من القادة المتميزين في كل وزارة، وإعطائهم الصلاحية والثقة، وتعويدهم على تحمل المسؤوليات الصعبة، وبالتالي ما قد يترتب عليها في حالة الإخفاق أو الخطأ. المطلوب أن يهتم الوزراء بمحاربة الروتين والفساد والإفلاس الإداري، وأن يفعلوا مبدأ المراقبة والمحاسبة في أموال التعاقدات أو العقود وأسلوب صرفها، وفي المشاريع المتعثرة وأسباب تعثرها، وأن يجلسوا إلى الموظفين الصغار ويناقشوا همومهم في العمل وخارجه، وأن يراعوا مبدأ التنمية المتوازنة في مشروعاتهم، وأن يقوموا بالزيارات الميدانية المفاجئة ويحيلوا المقصرين إلى التحقيق والمحاسبة، وأن يراقبوا رب العباد قبل العباد. مع تمنياتي وصادق دعواتي لهم بالتوفيق.