فقد النفط نحو 45 بالمائة من سعره في السوق منذ منتصف العام حتى كتابة هذه الأسطر، وهو مرشح ليفقد المزيد مستقبلاً نظراً لعاملين اثنين؛ الأول: وفرة المعروض الذي يقدره البعض بأقل قليلاً من مليوني برميل، والثاني: توقعات وكالة الطاقة الدولية بتراجع الطلب العالمي على النفط في العام 2015 لأعلى قليلاً من 93 مليون برميل يومياً متراجعةً بذلك عن آخر تقديراتها بنحو ربع مليون برميل. ويبدو أن انقسام أوبك في نوفمبر، ومن ثم انتهاء اجتماعها دون اتخاذ أي قرار حول سقف الإنتاج جلب للمنظمة أفضل حل ممكن، إذ لم يكن ممكناً أن تتفق دول المنظمة على خفض الإنتاج بنحو مليوني برميل، فهي –أي الدول الأعضاء- لم تلتزم بالسقف المحدد على أية حال، فكيف تطلب بمزيد تخفيض في بيئة من عدم الالتزام؟! لكن قرار المصادفة ذاك وضع التنافس في السوق في مسار مختلف يرتكز حول الصراع على التأثير، فقبل انعقاد اجتماع أوبك في نوفمبر كانت السوق في حالة ضياع، أما الآن فأصبحت في حال تراجع وانخفاض دون أن يعرف أحد أين القاع، وهكذا أصبح نسق التنافس مختلفا؛ فالمشتري يتجه للسوق الفورية باعتبارها مرجعيته السعريه، والبائع لا يملك إلا أن يحافظ على زبائنه، ما وضع منتجي النفط في مسار حلزوني هابط، سيضطر بعضهم للخروج مفلساً أو مندمجاً، وبذلك ينخفض الإنتاج ويبدأ السعر في الصعود. وتفترض أوبك انها تستطيع تحمل آلام الهبوط الحلزوني باعتبار أن عظمها «جَبرّ» وأن أول من ستتهتك «غضاريفه» هم منتجو النفط الصخري، لكن ما الذي سيحدث لبعض دول أوبك المنهكة اقتصادياً؟ هل ستضطر أن ترهن نفطها عبر الدخول في اتفاقات مع شركات النفط العالمية لتوفر لها المال لتنفق على برامجها الاجتماعية؟ كما سبقت الإشارة، فلم يك أمام أوبك خيار في نوفمبر، فقد اتخذت «الـ لا قرار»، أو ما يسمى بالخيار الصفري (أي لا تغيير شيء). علينا الانتظار شهرين على الأقل حتى تبدأ آثار الانهاك تظهر على المنتجين؛ فسيخرج بعضهم وسيواصل البقية الماراثون، لكنه ماراثون متعدد المراحل، وسيخرج المنتجون تباعاً. وبذلك ستخرج من شركات بل قد تتخلى بعض الدول عن مشاعرها الوطنية الجياشة وتدخل في شراكات مع شركات النفط العالمية، باذلة بذلك تضحيات ضخمة. السؤال: هل هذا هو الخيار الوحيد؟ الإجابة المختصرة بالنفي، ففي حين أن منتجي النفط الاعتياديين يزاحمون بعضهم بعضاً ليبيعوا بأبخس الأسعار متحملين أعباء التمويل والاستثمار، هم يهملون منافساً لهم ينتج نفطاً مهرباً من مناطق النزاع ويبيعه بأسعارٍ بخسة، إذ كل ما عليه تحمله هو التكاليف الهامشية، وهي دولارات قليلة للبرميل. ويمكن الجدل أن هذا المُنتِج سيبقى داخل السوق فلن يخرجه ضغط الأسعار وهبوطها؛ فتكاليفه متدنية للغاية. وهكذا يبرز لنا الخيار الثاني، المكون من نقطتين على التوالي: أن ينضبط المتعاملون في سوق النفط من منتجين ومستهلكين ووسطاء بعدم تداول النفط المنتج من مناطق النزاع، والشق الآخر أن تلتزم دول أوبك بسقف إنتاجها، وهذا كفيل بتجفيف أكثر من مليوني برميل يومياً من السوق.