كتبت عن شركة أرامكو وإسهاماتها الاجتماعية، وكيف أنها غيرت إستراتيجيتها في هذا الشأن من التركيز على تنمية المجتمع المحلي للشركة وفق احتياجاته الأساسية إلى دعم المشاريع ذات الصبغة الإعلامية الوطنية والثقافية والبحثية، أو ما أسميناه بالتوجه نحو النخبوية. ذلك الموضوع فتح نقاشاً جميلاً مع بعض محبي أرامكو، ولها أن تفخر بوجود المحبين المنافحين عنها في بعض الحالات، وأقدر أن أكثر دفاعهم يستند إلى تاريخ أرامكو وإلى مقارنتها بمؤسسات سعودية محلية. ألخص هنا بعض النقاط التي قد تسهم في إيضاح فكرة المقال الماضي وتسهم في التهيئة للمقال القادم المتعلق بأسباب تراجع إسهامات أرامكو في خدمة مجتمعها المحلي. أرامكو أسهمت في تأسيس أو تطوير جامعة البترول والمعادن منذ أن كانت كلية هندسة ذات طبيعة تقنية. وبعد أكثر من أربعين عاماً يأتي السؤال؛ ألم تصل جامعة البترول سن الفطام عن دعم شركة أرامكو، أم أن هناك عقد شراكة يجعل أرامكو شريكة دائمة في أعمال جامعة البترول؟ أشجع دعم الجامعة، لكن نطالب شركة أرامكو بأن تعيد سيرتها في دعم تأسيس جامعة البترول بالإسهام في تأسيس جامعة جديدة بمنطقتها. نريد أن نراها تسهم في تأسيس جامعة حفر الباطن، فهي أولى بالدعم من جامعات ومراكز أخرى داخل الشرقية وخارجها وبالذات. وكما تسهم أرامكو في إنقاذ مشاريع بعيدة من التعثر، نريدها أن تنقذ جامعة الحفر من مأزق تعثر التأسيس والتطوير. أرامكو يبدو أنها مع قياداتها الوطنية الراهنة أصبحت إسهاماتها الاجتماعية تخضع لضغوطات جهات أخرى أو لتوجهات قياداتها الفردية، وليس وفق تنظيم مؤسسي علمي ينطلق من إستراتيجيات واضحة تعتمد على دراسات اجتماعية مقننة. لقد لاحظت ذلك وأشرت إليه سابقاً، باقتراح تأسيس ذراع مؤسسي شبه مستقل معني بالإسهامات المجتمعية والخيرية التي تتبناها الشركة أسوة بالشركات العالمية، وقد اقترحت تسميته (أرامكو فاونديشن). مطالبات أرامكو بالتوجه نحو خدمة مجتمعها المحلي لا يأتي من باب العاطفة أو الفراغ، فنحن نعلم أن استخراج البترول يتسبب في أضرار بيئية وبالتالي صحية، سواء من خلال حرق البترول أو زيادة مساحة التصحر وغيرها من العوامل. لأجل ذلك تفرض دول العالم على شركات البترول ما يُعرف بضريبة الكربون أو ضريبة الطاقة، وأرامكو تعرف ذلك جيداً لأنها تدفع مثل تلك الضريبة في دول عدة بشكل مباشر أو غير مباشر. نحن في المملكة لا نفرض ضريبة طاقة عالية على أرامكو نستفيد منها في تنمية المجتمع المحلي، ولكننا نطالبها بتحمل مسؤوليتها الاجتماعية نحو خدمة مجتمعها المحلي، ولن يكلفها ذلك سوى جزء بسيط من المبالغ التي يفترض أن تدفعها كضريبة للطاقة لو كان لدينا قانون ضريبة الطاقة الصارم والواضح. أمراض السرطان جزء من مسبباتها التلوث البيئي، ولأن أرامكو مساهمة في التلوث البيئي فهي مسؤوليتها الإسهام في تأسيس مراكز علاج أمراض السرطان بالمنطقة الشرقية على وجه التحديد، ومسوؤليتها دعم الإصحاح البيئي في المنطقة وغير ذلك المسؤوليات التي طرحنا بعض أمثلتها. أرامكو حين تأسيسها لم يكن في مجلس إدارتها ممثلون للمجتمع المحلي، وهذا أمر ربما كان له ظروفه وقتها. لكنه حان الوقت للمطالبة بأن يوجد بمجلس إدارتها أعضاء يمثلون المجتمع المحلي، لاسيما والمنطقة الشرقية مليئة بالكفاءات المؤهلة لذلك. العضو الممثل لمجتمعه المحلي سيسهم في مناقشة دور الشركة في دعم مجتمعها المحلي وتبني سياسات تخدم المجتمع المحلي والبيئة وغيرها، مما له علاقة. في الجزء الثالث من المقال نكتب عن أسباب تراجع أرامكو في خدمة المجتمع المحلي.