حين كنت طفلاً صغيراً في بدايات المرحلة الابتدائية أتذكر أن أحد أولياء أمور الطلاب زارنا في منزلنا لمقابلة والدي يرحمه الله، وكان الوالد في تلك الفترة وتحديداً في أواسط التسعينيات الهجرية يشغل منصب مدير التعليم بالقصيم. المقابلة تمت على ما أذكر بحضور الأستاذ محمد بن عثمان البشر، وكان وقتها مساعداً لمدير التعليم، وكان يجتمع مع الوالد في منزلنا في مدينة بريدة للمشاركة في إنجاز بعض المعاملات والتقارير التي تخص العمل، ويبدو أن ولي الأمر قد استغل تواجدهما مع بعض ليعرض مشكلة ابنه. كان ولي الأمر يحمل بين يديه ثلاث كراسات من فئة 60 ورقة. كنا على مشارف نهاية العام الدراسي والرجل يريد حلاً حاسماً لمعضلة ابنه والتي على حد وصفه أرقته وطيرت لذيذ النوم من عيونه. صفحات كل دفتر من الدفاتر الثلاثة شبه مكتملة من كتابات شتى للطالب في مواد اللغة العربية. أذكر أن جميع الصفحات كانت مصححة من قبل المعلم الهمام مع دمغ كل صفحة بعبارة مكررة من المعلم ومن أول صفحة من كل دفتر إلى آخر صفحة مع مهر تلك الصفحات بتوقيع المعلم المتقن نتيجة كثرة الممارسة. احتجاج الأب ليس لأن المعلم قد ترك صفحات دون تصحيح أو توقيع، ولم يتهمه بأنه يتغيب عن المدرسة مخلاً بعمله، ولم يتظلم منه لأنه ضرب ابنه وعنفه و»فشله» أمام زملائه، ولم يتحفظ على محاباته لطالب على آخر. لقد ذهب الأب أبعد من ذلك فنقد كل النظام التعليمي في ذلك الوقت والذي يعتمد على التلقين والحفظ والاستظهار نقده بطريقة وأسلوب ذلك المعلم والذي كتب في نهاية كل صفحة من دفاتر ذلك الطالب عبارة «حسن خطك». مجمل نقد ولي الأمر والذي يبدو أن تعليمه أقل من المتوسط كان مبهراً وغير متوقع عندما نقد طريقة المعلم ثم تساءل عن دوره، وهل تحسين خط الطالب هو عمل منوط بالمنزل أم بالمعلم، وإذا كان من اختصاص المنزل فما الفائدة من المدرسة، وإذا كان من واجبات المعلم فأين برنامجه لتطوير قدرات الطلاب في الخط وغيره، وهل راعى ذلك المعلم نفسية الطالب وأسرته وهو يواصل التحطيم اليومي من خلال عبارته الشهيرة «حسن خطك»؟. ما أشبه الليلة بالبارحة. كلما تذكرت تلك الحادثة توقعت أن زمن ذلك المعلم قد ولى إلى غير رجعة وأننا حالياً في عصر المعرفة وبما يتوافر لدينا من إمكانات قد قطعنا شوطاً بعيداً في العملية التعليمية لولا أن ولي أمر طالب ومن بريدة أيضاً قد عرض عليّ كراسة ابنه قبل أيام. الفارق هنا أن العبارة قد تغيرت من حسن خطك إلى «أرجو الاهتمام». يقول ولي الأمر عندما ذهبت لمناقشة المعلم رد عليّ بكل بجاحة وبرود «جب له مدرس خصوصي»، ويردف الأب بقوله وكأن هذا المعلم قد جلب لي كل الحلول المنتظرة!. أدركت من هذه الواقعة الأخيرة أن شيئاً لم يتغير في أساليب المعلمين وطرقهم التدريسية، وأن وزارة التربية والتعليم إذا أرادت التطوير فلا مفر أمامها من البدء بالمعلمين فهم الرهان. قال أحمد شوقي يرحمه الله قبل عقود: وإذا المعلم ساء لحظَ بصيرةٍ جاءت على يده البصائر حولا