×
محافظة المنطقة الشرقية

مريض نفسي يهاجم المارة ويقتل أحد أفراد الدوريات الأمنية

صورة الخبر

كتاب جديد للباحث والأكاديمي اللبناني الكندي كمال ديب صدر عن دار النهار (بيروت) بعنوان «يوسف بيدس: إمبراطورية أنترا وحيتان المال في لبنان». وهي المرة الأولى منذ خمسين عاماً تصدر سيرة هذا المصرفي المثير للجدل. ويتضمن الكتاب عدداً كبيراً من أسماء السياسيين ورجال الأعمال في لبنان وعلى أعلى المستويات، وبعضهم لا يزال يلعب دوراً مهماً على الساحة حتى اليوم. ويتطرق إلى تفاصيل دقيقة أحياناً يوماً بيوم عن الصعود الصاروخي لـ «العبقري من القدس» كما سمته مجلة لايف، والرجل الذي تمنى شارل ديغول أن يكون لفرنسا شخصية مثل بيدس كوزير للمالية. في 1966، وقعت أزمة مصرفية كبرى أودت بسمعة - وقوّة - أكثر القطاعات اللبنانية حيوية وأهمية، عُرفت باسم «أزمة إنترا»، اشارةً إلى أكبر مصرف تجاري في لبنان والشرق الأوسط في تلك الفترة وهو بنك إنترا. وتُمثّل هذه الأزمة درساً عن ممارسات الطبقة السياسية الاقتصادية في تأدية أدوار تنافي تماماً المصلحة الوطنية اللبنانية والعربية. وكشفت أزمة إنترا والتحقيقات التي تلتها، أساليب العمل والسلوك الهابط ليس في أوساط أصحاب المصارف والتجّار في ذلك الوقت فحسب، بل على مستوى قادة البلاد. وكان حجم بنك إنترا كأكبر مؤسسة مصرفية هو ما جعله عنواناً للأزمة. وتعاملت الدولة اللبنانية بشدّة بالغة القسوة وبسلبية مستغربة جداً مع «إنترا» الذي سقط ضحية الطبقة السياسية الاقتصادية. رفضت هذه الطبقة مصرفاً أسّسه رأس المال الفلسطيني ودعمتْه، إلى حدّ ما، جماعة النهج الشهابي وطبقتها الجديدة، وترعرع في زمن انطلاق الرأسمالية الوطنية في لبنان. فكانت مهمة الطبقة المهيمنة على لبنان أن تفلّس البنك وتدفعه إلى الانهيار رغم أنّه كان تاج الاقتصاد اللبناني. فكان في الامكان تلافي الأزمة وإنقاذ البنك لو شاء هؤلاء ولجموا تداعياتها التي تركت أثراً عميقاً في الاقتصاد اللبناني حتى اندلاع الحرب عام 1975. ويرى الباحث أن ثمّة ثلاثة عوامل كانت لمصلحة بيدس: أولاً، كان يمكن قانون النقد والتسليف الصادر عام 1963 أن تستغلّه الحكومة وتجعله فور صدوره ناقوس خطر لترشيد أعمال المصارف اللبنانية. إلا أنها لم تفعل. ولذلك، فإنّ بيدس، كغيره من المصرفيين، كان معذوراً إذا لم يراعِ الضوابط والقيود التي وضعها القانون، بخاصة أنّ المصرف المركزي لم يكن بدأ بعد ملاحقة المتخلّفين عن اتباع التعليمات الجديدة، في حين منح القانون المصارف خمس سنوات من صدور القانون لتجيهز نفسها، على أن تنتهي فترة السماح عام 1968. ثانياً، إنّ مرسوم تأسيس إنترا سمح بتنويع الاستثمارات، ولذلك لا يمكن أن يتضمّن أي اتهام لبيدس أنّه ذهب في استثمارات بعيدة عن العمل المصرفي البحت أو أن توضع هذه الاستثمارات تحت بند خطايا وأخطاء. ولقد كشفت الأيام أنّ إفلاس إنترا كان مصطنعاً، بخاصة أنّ مَن وضع اليد عليه استفاد عقوداً عدّة من استثماراته غير المصرفية وحصل على أموال بلغت مئات ملايين الدولارات. ثالثاً، نقطة مهمة أشار إليها مروان ابن يوسف بيدس أنّ المبالغ التي دفعها البنك خلال أيام قبل إقفاله كانت ضخمة جداً وغير مسبوقة وغير استثنائية، ولم يكن لبّاها أي بنك في لبنان مهما كان حجمه، ومع ذلك حرمه مصرف لبنان من المساعدة. يمكن تصوّر حال لبنان الممتازة لو لم تفترس الطبقة السياسية بنك إنترا عام 1966 ولو تمكّن البنك من متابعة مسيرته مع المساهمين العرب، وبخاصة بعدما حصلت ثورة البترول عام 1974 وتضاعف سعر البرميل ثلاث مرات خلال أسابيع. ذلك أنّ الاستثمارات في الاقتصاد اللبناني عبر إنترا كانت ستصل إلى مستويات تساهم في رفع مستوى المعيشة اللبنانية وخلق بنية تحتية متطورة تنقل لبنان إلى مصافي الدول الأوروبية المتوسطية كإيطاليا وإسبانيا. هذا الكتاب عن يوسف بيدس هو باكورة ثلاثية جديدة لكمال ديب، وهذا الكتاب عن بيدس يؤرّخ فترة عشرين عاماً من 1948 إلى 1968، أي منذ غادر بيدس فلسطين ليقيم في بيروت وحتى وفاته في سويسرا. وهو الجزء الأول الذي يكشف كيف نجحت النيوليبرالية العالمية في القضاء على الرأسمالية الوطنية في بيروت وتدمير أمبراطورية إنترا. على أن يغطّي الجزء الثاني من الثلاثية فترة تدمير لبنان تماماً من 1970 إلى 1990 والجزء الثالث المرحلة الحالية أي منذ 1990 والتي بات لبنان معها تابعاً ذليلاً للنيوليبرالية ولأربابها الإقليميين. وستصدر هذه الثلاثية تباعاً في الأعوام القليلة المقبلة.