×
محافظة المدينة المنورة

سيارة تدهس 3 طالبات أمام مدرستهن بالمدينة المنورة

صورة الخبر

رَقَص تساوي في ميزان اللغة فَعل، وحالة وصف الفعل في اللغة تقول إن الرقص هو تحريك الجسم بالموسيقى والأنغام، وأنا على يقين أننا نعرف ماذا تعني كلمة رقص دون العودة الى القواميس والمعاجم وتقصي ما فيها من ألفاظ. وأزعم أننا تعودنا على اعتبار فعل الرقص أمرا يرادف الخفة وربما السفه لذا أوجدنا مفردات ذات دلالة خاصة تخرجنا من حرج الرقص وما يصاحبه من تبعات كالطيش وعدم الاحترام. فنقول في المفردات الشعبية لعب رجال ورقص نساء. ونقول الرجال يعرضون أي يؤدون رقصة السيف المشهورة بالعرضة. وفي بعض مفردات المنطقة الجنوبية يأتي قولنا الرجال يعرضون أي يدورون حول بعض قارعي الطبول وهم يرددون أهازيج في الحماس أو في الصفات الحميدة أو في الغزل. في اللهجة النجرانية التي أغتبط أنني لم أنس الكثير منها مفردة الرقص لا وجود لها ويستخدم مكانها كلمة «سعب» واعتقد أنها تصف رقص الرجال والنساء. الغريب أن كلمة صفق وهي من ضرورات أفعال الرقص لا تستخدم كثيرا في هذه السياقات ويستعاض عنها بكلمة محلية هي «بنح» بفتح الأحرف الثلاثة. ولم اندهش كثيرا عندما وجدت احد معانيها المنع وإذا ضمت أحرف «بنح» الثلاثة فإنها تعني العطاء! لن أطيل في سرد معاني الرقص وتاريخه عندنا كشعب سعودي وعند شعوب أخرى، ولكن من المؤكد أن كل شعب عالج أمور حياته بشكل وكيفية ما كان الرقص احد تلك الكيفيات. لدينا كمجتمع ما زال في طور النمو سُجل انه في السنوات المتأخرة بدأت ظاهرة الرقص تجتاحنا وليس لدي إحصاءات أو دراسات معمقة لما أقول، ومع ذلك نلاحظ جميعا أن أبناءنا يرقصون بصورة هستيرية في الملاعب والمدارس وحتى عند إشارات المرور. مناسبة مهرجان الجنادرية السنوية تحولت في جزء منها لمن يحتفون بالموسيقى والإيقاعات والرقص إلى فرصة للرقص في الهواء الطلق دون خجل أو تحفظ وهي في ذات الوقت اعني المناسبة فرصة لاحتجاج فريق آخر على ما يقوم به الراقصون. لم أكن أتخيل أن يعرض البعض من السعوديين والسعوديات مقاطع راقصة لأطفال صغار لم يتجاوز بعضهم الخامسة من عمره. وهم يؤدون الرقصات الشعبية والعربية المعروفة ببراعة فائقة، ومرد عدم تخيلي لذلك الخوف على الصغار من العين أو الحسد أو التحوط من أن يصبح الرقص أسلوب تعبير لا تخشى الأجيال القادمة المجاهرة به. المقاطع التي نرقص فيها تملأ الشبكة العنكبوتية ومنها الرسمي والمقبول الذي تم في أفراح ومناسبات مشابهة سواء سامري وتنكس أو رايح وغيرها، ومنها ما تم انجازه في البيوت والمدارس ومواقع العمل وحتى في الحجرات الشخصية. وفي الحقيقة أجدني أقف أمام كل ذلك متسائلا: لماذا نرقص إلى هذه الدرجة؟ وسأغدوا عظيم الامتنان لمن يتحفنا بإجابة شافية من أصحاب الرأي أو من أهل الاختصاص والدارسين للمجتمعات وتغيراتها وتطورها. هل هي حالة من التعبير عن موقف من موضوع ما في حياتنا؟. هل هي التكنولوجيا التي تغولت في واقعنا ومنحتنا الفرصة للتعبير عن شيء نحبه أو نرفضه. ومن ثم المجاهر به المجتمع بأكمله. كل هذه التساؤلات مقلقة في الواقع ولكنها تبدو اقل قلقا كلما تذكرت أحداثا مر بها عالمنا العربي مؤخرا وان لتلك الأحداث علاقة غريبة بالرقص في نظري، الحدث الأول الانتخابات الرئاسية التي تمت مؤخرا في جمهورية مصر العربية ٢٠١٤م والتي ابرز الإعلام المصري خلالها أغنية «بُشرة خير» من أداء المطرب حسين الجسمي، ولا اعرف من كتب كلماتها ولا من لحنها، ولكنها كانت أغنية لانتخابات بامتياز كما كانت أغنية راقصة من الدرجة الأولى ولم تخل مشاهد الأغنية من الرقص والفرح والبهجة وهذه صفات في الأشقاء المصريين ونتمنى أن تستمر. ومع ذلك كنت في كل مرة شاهدت تلك الأغنية اتساءل هل هناك علاقة بين السياسة والرقص! إن كانت الإجابة بلا، فما تفسير ما أحدثته تلك الأغنية من حالة حراك جِسمي لدى الناس؟ وإن كانت الإجابة بنعم، فما تلك العلاقة؟ الحادثة الأخرى هي حادثة جنازة المطربة صباح التي توفيت ببيروت في السادس والعشرين من نوفمبر الماضي، وأظهرت الأخبار جنازتها وهي تشيع إلى مثواها الأخير محفوفة بموسيقى بعض أغنياتها وبرقص بعض المشيعين. مشاهد جمدت لدي كثيرا من الاعتبارات المتعلقة بالموت وصدمته وبالرقص. المجتمعات تنمو وتنمو معها المفاهيم حول عادات التصرف والسلوك وربما ما يكون اليوم لدى البعض مثار ازدراء، يصبح في الغد أسلوب تعبير عن قبول شيء أو رفض شيء. مستشار وباحث في الشأن الدولي