كانت الطفلة ذات السنين التي لم تتجاوز الثماني تسير بخطى متثاقلة، يظهر على ملامحها الملل. تسير في طريق بدا دون نهاية. توقفت فجأة عندما رأت أغلى الناس، لم تصدق عينيها، وبدلا من أن تركض ضاحكة بهستيرية، وقفت وبكت بهستيرية أيضا. قطع بكاؤها قلب كل من شاهد مقطع لقائها بأبيها الذي غاب عنها ستة أشهر. ستة أشهر وهي تعاني الغربة والمرض وفقد الأحبة. تلك الدموع حكت مأساة هذه الطفلة. مثل هذه الطفلة كثير، ممن دفعتهم الحاجة والآلام إلى البحث عن العلاج خارج الديار، بعيدا عن الأهل والأحباب. يقول الأطباء إن نسبة كبيرة من احتمالات الشفاء تبدأ من العامل النفسي الذي يفقده هؤلاء. دموع الطفلة حكت بؤسها، وحكت تردي الخدمات الصحية في بلادها، وحملت معاني وأرسلت رسائل لكل ذي قلب حنون. لكنها يجب أن تصل إلى قلب وعقل وزير الصحة. تنفق المملكة ما يقارب 20 ألف ريال على الخدمات الصحية لكل مواطن، يتجاوز هذا الرقم ما تنفقه أغلب دول العالم. مع ذلك يذهب المواطنون بحثا عن العلاج في دول لا يصل إنفاق بعضها إلى نصف ما تنفقه المملكة. هذه المعلومات الصادمة تشير إلى وجود خطأ كبير يرتكب في تخطيط وتوزيع وعمق الرعاية الصحية. يستشعر المرء مما يسمعه من المآسي والأخطاء، أن المستشفيات التي تنفق عليها الدولة بكل سخاء فقدت أو تفقد مصداقيتها وكفاءتها وقدرتها على جذب المواطن الذي يبحث عن خدمة صحية تغنيه عن البحث والتوسل والمعاريض والبرقيات والقروض، التي تأتي مع هذا الاندفاع "المبرر" للعلاج في الخارج. إن بناء المدن الطبية الكبرى في مختلف مناطق المملكة لم يسهم حتى في توفير الرعاية الصحية داخل مناطق ومدن تعج بالسكان، فيضطر كثيرون للسفر إلى الرياض أو جدة للحصول على رعاية صحية، قد لا تكون بالمستوى المأمول. أدعو الوزير لإعادة النظر في خطط الخدمات الصحية في البلاد، لأن هذه المناظر لم تعد مقبولة بعد الميزانيات الضخمة التي تحصل عليها قطاعات الخدمة الصحية، كما أدعوه لمنافسة هذه الدول بدل أن نستمر في إرسال أبنائنا وبناتنا للخارج. دموع تلك الطفلة يجب ألا تذهب سدى.