إنّ المتأمل في مجتمعاتنا العربية عموماً والخليجية على وجه الخصوص سيُصاب بالحيرة ويُسكن بالقلق من تبدل أحوال النّاس وتغير طبائعهم وما نتج عن هذا التغيّر من تشكّل أخلاقي جديد أثر في منظومة القيم الاجتماعية التي شكّلت مع مرور الوقت عادات وأعرافاً ولّدت في وعي إنسان هذه المنطقة حزمة من الحقوق والواجبات توافق عليها جميعّ عناصر المجتمع على اختلاف تركيبته، والتزموا بها كشرائع تنظم العلاقات فيما بينهم وتحميه من التفكك والانهيار. فمثلاً! كانت استضافة الغريب كالوسام الذي يتسابق الكلُّ للفوز به ومن يتهاون في ذلك يوصف بقلة المروءة. وإذا مرض لهم جار عمدوا إلى بعض ما ادخروه من مال فإذا حلّ المساء ذهبوا لزيارته ودسّوا ما بأيديهم تحت وسادته كي لا يشعروه بالحرج. وكانوا إذا بلغ لأحدهم شاب سنّ الزواج جمعوا له المهر، وساعدت النساء في تجهيز العروس. كما أنّ المسجد لم يكن للصلاة ودروس الوعظ فحسب، بل كان يمثل ما يعرف اليوم بموقع تواصل اجتماعي له داتا معلوماتية عن الحيّ، كما كان الرجال يمثلون الوسط الناقل لهذه المعلومات وإيصالها إلى النساء اللاتي كنّ يبادرن بالقيام بدورهن في المحافظة على الأعراف السائدة في ذاك الوقت. أمّا إذا اعتزم أحدهم السفر أوصى جاره برعاية أهله وعياله في غيابه، وقد يشارك كل سكان الحيّ في تحّمل مسؤولية ذلك. هذا غيض من فيض من القيم والأعراف الراقية التي كانت تسود في مجتمعنا، فأين نحن منها اليوم! إنّ الطفرة الاقتصادية أفقدت النّاس الوعي بأهمية التوازن بين الجديد المادي والموروث الأخلاقي، وأحدثت شروخاً في منظومة القيم، فتضخم الإنسان ماديّاً وتقزّم عاطفياً، فقلّ التراحم وشحّت التضحية وانعدم الإيثار وأصبح الوفاء والمروءة غريبين.