تصاعدت حمى الإعلام الفتنوي بشكل واضح -في الآونة الأخيرة-، وساهمت قنوات التطرف في تأجيج نار الطائفية في مناطق مختلفة من العالمين -العربي والإسلامي-، فركزت على الصراع الطائفي -السني الشيعي-، باعتباره شكل الانقسام الأبرز في المنطقة -خلال السنوات العشر الماضية-، وفي سياق مواز لتصاعد الحالة الطائفية بشتى صورها على المشهد الإقليمي، وإن كانت من الناحية الدراماتيكية، مثلت إعادة لصياغة واقع أليم، فقد التفاعل مع الآخر، وقبوله. في المقابل، فإن تورط قنوات الفتنة بأجندات خارجية، وبتدخلات إقليمية، ودولية، ساهم في تأجيج الأوضاع، وشحن النفوس بالأحقاد، وإثارة النعرات الطائفية، والتوجهات المذهبية ؛ مما شكّل ظاهرة لا يستهان بها في الخارطة الإعلامية، التي تشبعت مفاصلها بالقنوات الفضائية، منطلقة -مع الأسف- من بعد مذهبي، وطائفي، وسياسي، وترافقت مع نوع من الاستقطاب الشامل لكل ما سبق ذكره.يبقى أسلوب الفرز الطائفي، وزيادة الاحتراب الاجتماعي، والمذهبي، واحدا من أكثر الأساليب رسوخا في قنوات الفتنة، -خصوصا- وقد رسخت السياسات الإعلامية لتلك القنوات، تعزيز إشكالية الاصطفافات الطائفية دون معالجتها، بل وتقديمها في سياق العوات المذهبية، أو التبشير المذهبي -إن صح التعبير-. إن اللغة المحرضة التي تمارسها تلك القنوات، تخفي وراءها أهدافا سياسية كبيرة، وعندما نستخدم معايير تحليل المضمون للبرامج، والتوجهات التي تتضمنها، سنجدها أكثر تشدقا بالطائفية، وإثارة النعرات بين مضامين خطاباتها، ولغتها، -وبالتالي- سيظهر تأثير الاحتقان، والاصطفاف السياسي في فضاءات المجتمعات -العربية والإسلامية- بشكل عام، -سواء- في الاشتباك مع الفكرة العامة، أو التقاطع معها سلبا، وإيجابا. بالتأكيد، فإن أول سؤالين سيتبادران إلى الأذهان، هو: لماذا تغيب القنوات الفتنوية عن لغة الطرح الإعلامي المحايد؟ ولماذا يتنافى أسلوبها مع أخلاقيات المهنة؟، والجواب عن هذين السؤالين، سيقودنا إلى نتيجة حتمية، وهي: أن الخطاب الإعلامي لتلك القنوات، جاءت نتيجة صراع طائفي في المنطقة، لا سببا له، مع أن هذا التفسير لا يعفيها من مسؤلية التأجيج، والتحريض، -لاسيما- وأن أركان الصراع في الأصل، يتعلق بمبدأ التخندق، والتحزب للكيان السياسي، أو الديني، وهذا المعنى سيجعلنا ندرك مدى الانحياز المتعمد، والإلغاء التام لمكونات كبيرة في المجتمعات العربية؛ بسبب هكذا أطروحات مقيتة.