يعتبر وزن الرضيع عند الولادة والأسابيع والأشهر القليلة التي تليها، من أهم العوامل التي تشير إلى أي مدى يتمتع الرضيع بالصحة الجيدة، وهناك مقاييس محددة تبعا لعمر الرضيع بداية من لحظة الولادة وحتى بقية الشهور وصولا إلى العام الأول من عمر الطفل. ويعتبر وزن 3 كيلوغرامات هو الوزن المثالي للرضيع الذي تتم ولادته بعد فترة حمل كاملة استغرقت من 37 إلى 42 أسبوعا. والأطفال الذين يولدون بوزن أقل من هذا الوزن يكونون في نطاق أقل من الوزن المثالي المناسب عند الولادة Low - birth - weight. وهؤلاء الأطفال في الأغلب يكونون أكثر عرضة من غيرهم من أقرانهم الذين يتمتعون بالوزن المناسب، للأمراض المختلفة مثل الإصابة بأزمة في الجهاز التنفسي respiratory distress syndrome كما يكونون أكثرا عرضة للعدوى، وأيضا يحتاجون إلى التدفئة أكثر من أقرانهم من الأطفال مكتملي النمو. وتزيد درجة الخطورة كلما قل الوزن، مما يستلزم في بعض الأحيان وضع الرضيع في حضانة لتساعده على النمو. وهناك الكثير من الآثار السلبية لانخفاض الوزن عند الولادة وبعضها يمكن أن تمتد لاحقا في البلوغ. * الوزن والدراسة * وهناك كثير من الدراسات التي تناولت أثر هذه الأمور السلبية على الطفل سواء في الفترة التي تلي الولادة مباشرة أو بعدها بفترة، أو لاحقا. وأشارت أحدث هذه الدراسات التي قام بها علماء من جامعة نورث ويسترن Northwestern University بالولايات المتحدة الأميركية إلى أنه كلما زاد وزن الرضيع عند الولادة، تفوق لاحقا في الأداء الدراسي على أقرانه في المرحلتين الابتدائية والإعدادية. وجاءت الدراسة محاولة للإجابة عن سؤال مثير مفاده: هل زيادة فترة بقاء الجنين داخل الرحم تؤدي إلى زيادة فرص استفادته من التغذية الموجود داخل جسم الأم، مما ينعكس بالإيجاب لاحقا على الطفل في مرحلة الطفولة أو البلوغ؟ هذا، خاصة أن الطفل الذي يولد متمتعا بكامل الصحة ليس بالضرورة مكتمل المخ من الناحية الوظيفية والتشريحية. وأكبر دليل على ذلك هو أن الأطفال الذين يعانون من الإعاقة الذهنية لا يتم اكتشافهم إلا بعد الولادة بفترة طويلة على الرغم من نموهم بشكل جيد. وهذه الدراسة التي تنشر في الإصدار الإلكتروني من مجلة الاقتصاد الأميركيjournal American Economic في منتصف شهر ديسمبر (كانون الأول) الحالي تعتبر الأولى من نوعها التي تتناول وزن الرضيع عند الولادة والقدرات العقلية لاحقا. الدراسة كانت قد تتبعت المواليد في ولاية فلوريدا الأميركية منذ عام 1992 وحتى عام 2002 وقارنت بين أوزانهم عند الولادة والدرجات الأكاديمية التي حصلوا عليها في دراستهم. وكان عدد هؤلاء يقرب من مليون ونصف المليون طفل، منهم 15 ألف توأم. وأشارت الدراسة إلى أن تمتع الرضيع بوزن أكبر من المثالي عند الولادة قد يكون من الأمور الجيدة، فضلا عن أن زيادة البقاء داخل رحم الأم تفيد الرضيع أيضا، وأن هؤلاء الرضع يتفوقون على أقرانهم الآخرين في الاختبارات الأكاديمية في الفترة من منتصف المرحلة الابتدائية وحتى بداية المرحلة الإعدادية. وكان الفرق واضحا حتى بين التوأم من الرضع بأنه كلما زاد وزن أحد التوأمين عند الولادة على الآخر، كانت درجاته في الاختبارات الأكاديمية أفضل، على الرغم من وجود الأطفال الذين كانوا يعانون من نقص الوزن عند الولادة في مدارس أفضل أكاديميا من المدارس الأخرى، وهو ما يؤكد أن عامل الوزن عند الولادة بحد ذاته كان عظيم الأثر في التفوق الأكاديمي بغض النظر عن العوامل الأخرى مثل المستوى الاجتماعي والاقتصادي، والعرق، والمساعدة التي يقدمها لهم الآباء. وبطبيعة الحال لا تعني هذه الدراسة أن الأطفال الذين يولدون بنقص في الوزن أقل من الطبيعي بالضرورة سوف يواجهون مشكلات دراسية أو لا يمكنهم التفوق الأكاديمي، ولكن فقط تقل الفرص عن أقرانهم الآخرين. وأوضحت الدراسة أنه بالنسبة للعامل الأهم في الدراسة وهو مستوى تعليم الأم، فإن فرص الرضيع الذي يقل حجمه عن الحجم الطبيعي عند الولادة وله أمّ ذات تأهيل جامعي، تكون لاحقا أفضل من الرضيع الذي يزيد وزنه على الطبيعي لأمّ توقف مستوى تعليمها عند المرحلة الثانوية. * تجنب المخاطر * المعروف أن كثيرا من الدراسات نصحت بضرورة تلافى ميلاد الرضع أقل من الوزن المثالي لتجنب كثير من المخاطر ومنها الأداء الدراسي. وحسب دراسة أميركية حديثة نشرت هذا العام في مجلة الطب النفسي، فإنه وعلى الرغم من أنه لا يوجد سبب عضوي يمنع الأطفال الأقل وزنا من اللحاق بزملائهم في الدراسة، فإنهم في الأغلب لن يكونوا من الطلبة المتفوقين مثل الأطفال الذين تمتعوا بالوزن المثالي عند الولادة. ولذلك يجب تلافى الأسباب التي يمكن أن تؤدي إلى ميلاد الأطفال الأقل حجما، ومن أبسط هذه الأسباب: الولادة المبكرة قبل اكتمال نمو الرضيع في المناطق التي لا تتوافر فيها رعاية صحية على المستوى اللائق، وأيضا يجب علاج الأمراض التي تصيب الأم في فترة الحمل بالشكل الملائم مثل ارتفاع الضغط أثناء الحمل (تسمم الحمل) الذي يقلل من تدفق الدم للجنين، وبالتالي يتراجع معدل نموه نظرا لقلة مستوى الأكسجين والغذاء الذي يذهب إليه. ولذلك تجب العناية بصحة الأمهات الحوامل لتجنب تلك المخاطر.