أشرف الرئيس الروسي فلاديمير بوتين على توقيع اتفاقات استراتيجية مع القادة الهنود، أمس، وذلك بمناسبة الزيارة التي يؤديها إلى نيودلهي وسط عزلة نسبية تعاني منها روسيا مع الغرب بسبب الأزمة الأوكرانية. وتوزعت مجالات التعاون التي جرى بحثها خلال الزيارة بين الدفاع والطاقة واستخراج الماس. وعقب محادثات مع بوتين، أعلن رئيس الوزراء الهندي ناريندرا مودي أمس أن روسيا ستبني 10 مفاعلات نووية إضافية على الأقل للهند. وقال: «إن أهمية هذه العلاقة ومكانتها الفريدة في السياسة الخارجية الهندية لن تتغير». وأوضح مودي، الذي جاء إلى السلطة على وعد بتقوية النمو الاقتصادي المتعثر في بلاده، أن أمن الطاقة «مهم جدا بالنسبة للتنمية الاقتصادية في الهند ولخلق وظائف للشباب. لقد وضعنا رؤية طموحة للطاقة النووية لبناء 10 مفاعلات نووية إضافية على الأقل». وزودت روسيا محطة في كودانكولام جنوب الهند بمفاعلين بموجب اتفاق تأخر طويلا، وسعت إلى تزويد نيودلهي بكثير من المفاعلات بعد توقيع اتفاقين في 2008 و2010. ووقع البلدان خلال المحادثات أمس 20 اتفاقا، بينها تعهدات لزيادة التعاون الدفاعي واستكشاف مشاريع طاقة مشتركة جديدة في القطب الشمالي. وقال بوتين إن المحادثات مع مودي ركزت على «قضايا دولية»، مضيفا: «مواقفنا إزاء القضايا الدولية والإقليمية إما متشابهة أو متقاربة جدا». وتعود العلاقات القوية بين البلدين إلى الخمسينات من القرن الماضي بعد وفاة ستالين، إلا أن حجم التجارة بين البلدين لم يتجاوز 10 مليارات دولار العام الماضي، وقال بوتين إن ذلك «غير كاف». وتعد هذه أول زيارة يقوم بها بوتين إلى الهند منذ انتخاب مودي رئيسا للوزراء في مايو (أيار) الماضي. وصرح الخبير الروسي ناندان اونيكريشنان بأن بوتين «يريد أن يظهر للعالم أنه ليس معزولا، وهو ليس معزولا نوعا ما، فلا تزال لديه دول بريكس»، في إشارة إلى الدول صاحبة أسرع نمو اقتصادي بالعالم، وهي البرازيل والهند والصين وجنوب أفريقيا، إضافة إلى روسيا. وقال اونيكريشنان من مؤسسة «أوبزيرفر ريسيرش» الفكرية في نيودلهي، إن «الهند ينصب اهتمامها حاليا على التنمية، وتتطلع إلى روسيا للاستفادة من تقنياتها حول المعدات العسكرية لتصنيعها هنا». وتسعى موسكو إلى الحصول على استثمارات أكبر من الشركات الهندية المملوكة للدولة في مشاريع النفط والغاز. وتملك روسيا ثاني أكبر احتياطي عالمي من الغاز الطبيعي. وألغت مشروع خط أنابيب ساوث ستريم البالغة كلفته 50 مليار دولار الذي كان يفترض أن يتيح ضخ الغاز إلى أوروبا دون المرور بأوكرانيا. إلا أن بوتين لم يتحمس لاقتراح بناء خط أنابيب لضخ الغاز إلى الهند، وقال إنه قد لا يكون مجديا اقتصاديا، وركز بدلا من ذلك على الترتيبات الحالية لنقل الغاز الطبيعي المسال في ناقلات. وخلال زيارة بوتين، وافقت روسيا على تصنيع واحدة من أكثر مروحياتها تطورا في الهند التي تسعى إلى تعزيز قطاع التصنيع فيها، كما وافقت على المضي في مشروع تأخر كثيرا لتطوير مشترك لمقاتلة نفاثة. وأكد مودي أن روسيا تبقى «أهم حليف» للهند في مجال الدفاع بعد أن تفوقت عليها الولايات المتحدة كأكبر بائع للأسلحة للهند. وقال مودي إن «روسيا كانت أهم شريك دفاعي طوال عقود، حتى مع تزايد خيارات الهند اليوم، إلا أن روسيا تبقى أهم شريك لنا». وتشهد الهند، التي يسعى قطاع الصناعة فيها إلى إنتاج أسلحة متطورة، موجة إنفاق على الدفاع لمواكبة قدرات القوات الصينية، ومواجهة مجموعة من التحديات في منطقتها المضطربة. وتضمن جدول أعمال بوتين أيضا عقد اجتماع مع الرئيس الهندي براناب موخرجي، والمشاركة في قمة الماس العالمية، وسط مساعي الطرفين لزيادة الصادرات المباشرة من الماس الروسي إلى الهند. وأعلنت شركة «الروسا» الروسية العملاقة لاستخراج الماس أنها ستوقع اتفاقات مع مشترين هنود خلال زيارة بوتين لمواجهة تهديد العقوبات الغربية. وتعد روسيا أكبر منتج للماس الخام في العالم، وتمر غالبيته عبر الهند، حيث تتوفر اليد العاملة الرخيصة التي تقوم بتقطيع وصقل الماس قبل أن يعاد تصدير معظمه لاستخدامه في صناعة المجوهرات. لكن خُمس المنتجات الخام فقط تباع مباشرة من المناجم الروسية إلى الهند، بينما يتم تصدير الباقي إلى مراكز الماس، مثل مدينة انتويرب البلجيكية ومدينة دبي. كما أجرى زعيم منطقة القرم بالإنابة سيرغي اكسيونوف محادثات غير رسمية، أمس، مع كبار رجال الأعمال في نيودلهي، في خطوة من المرجح أن تغضب واشنطن حيث ضمت روسيا شبه الجزيرة الأوكرانية الاستراتيجية في مارس (آذار) الماضي.